| 
             من هدي النبوة 
 
عن عبد الله بن عمرو  رضي الله عنه  قال  صلى الله عليه وسلم  ( ارحموا ترحموا , واغفروا يغفر لكم , ويل لأقماع القول , ويل للمصرين الذين  	يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون ) (1)
 أمتع وجدانك بروائع من كلمات سيد المرسلين , فأنت بالروح لا بالجسد إنسان ،  	وترجم هذا الخير واقعا عمليا في حياتك لتنال مثوبة رب العالمين , وتحس بروعة  	هذا الدين ، وتفتخر بأنك من أتباع خاتم النبيين , لا من أتباع الذين ضل سعيهم  	في الحياة الدنيا , وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ... إن في العمل بهذا المنهج  	النبوي راحة للنفس لا تدانيها راحة , ومتعة للوجدان والضمير لا يستطيع أن يصفها  	لك أحد بكلمات مهما أوتي من فصاحة وبلاغة إلا بقوله : من ذاق عرف
 قال المناوي ( ارحموا ترحموا ) لأن الرحمة من صفات الحق التي شمل بها عباده ,  	فلذا كانت أعلاماً اتصف بها البشر , فندب إليها الشارع في كل شيء حتى في قتال  	الكفار والذبح وإقامة الحجج وغير ذلك ( واغفروا يغفر لكم ) لأنه سبحانه وتعالى  	يحب أسمائه وصفاته التي منها الرحمة والعفو ويحب من خلقه من تخلق بها ( ويل  	لأقماع القول ) أي شدة هلكة لمن لا يعي أوامر الشرع ولم يتأدب بآدابه ،  	والأقماع بفتح الهمزة جمع قمع بكسر القاف وفتح الميم وتسكن , الإناء الذي يجعل  	في رأس الظرف ليملأ بالمائع ، شبه استماع الذين يستمعون القول ولا يعونه ولا  	يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئاً مما يفرغ فيها , فكأنه يمر عليها مجتازاً  	كما يمر الشراب في القمع , كذلك قال الزمخشري : من المجاز ويل لأقماع القول وهم  	الذين يستمعون ولا يعون ( ويل للمصرين ) على الذنوب أي العازمين على المداومة  	عليها ( الذين يصرون على ما فعلوا ) يقيمون عليها فلم يتوبوا ولم يستغفروا (  	وهم يعلمون ) حال أي يصرون في حال علمهم بأن ما فعلوه معصية , أو يعلمون بأن  	الإصرار أعظم من الذنب أو يعلمون بأنه يعاقب على الذنب (2)
 فقوله  صلى الله عليه وسلم  ( ارحموا ترحموا ) لأن الجزاء من جنس العمل ، فلتكن الرحمة سجيتك  	والرفق خلقك ، أما تحب أن يرحمك الله , قال  صلى الله عليه وسلم  ( ارحم من في الأرض , يرحمك من في  	السماء ) (3) , وقال  صلى الله عليه وسلم  ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) (4) وقال  صلى الله عليه وسلم  ( من  	رحم ولو ذبيحة عصفور , رحمه الله يوم القيامة ) (5) وقال  صلى الله عليه وسلم  ( الراحمون يرحمهم  	الرحمن تبارك وتعالى , ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) زاد أحمد  	والترمذي والحاكم ( والرحم شجنة من الرحمن , فمن وصلها وصله الله , ومن قطعها  	قطعه الله ) (6) أي الراحمون لمن في الأرض من آدمي وحيوان لم يؤمر بقتله  	بالشفقة والإحسان والمؤاساة والشفاعة وكف الظلم ثم بالتوجع والتوجه إلى اللّه  	والالتجاء إليه والدعاء بإصلاح الحال ولكل مقام مقال , قال البوني : فإن كان لك  	شوق إلى رحمة من اللّه , فكن رحيماً لنفسك ولغيرك ولا تستبد بخيرك , فارحم  	الجاهل بعلمك , والذليل بجاهك , والفقير بمالك , والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك  	, والعصاة بدعوتك , والبهائم بعطفك ورفع غضبك , فأقرب الناس من رحمة اللّه  	أرحمهم لخلقه , فكل ما يفعله من خير دق أو جل فهو صادر عن صفة الرحمة (7)
 وقوله  صلى الله عليه وسلم  ( واغفروا يغفر لكم ) هذا كقوله تعالى ( وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا  	الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى  	وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا  	وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ  	رَّحِيمٌ ) النور 22 قال الشنقيطي : فيه الأمر من الله للمؤمنين إذا أساء إليهم  	بعض إخوانهم المسلمين أن يعفوا عن إساءتهم ويصفحوا , وأصل العفو : من عفت  	الرياح الأثر إذا طمسته , والمعنى : فليطمسوا آثار الإساءة بحلمهم وتجاوزهم  	والصفح , قال بعض أهل العلم : مشتق من صفحة العنق , أي أعرضوا عن مكافأة  	إساءتهم حتى كأنكم تولونها بصفحة العنق , معرضين عنها ( ألا تحبون أن يغفر الله  	لكم ) دليل على لأن العفو والصفح عن المسيء المسلم من موجبات غفران الذنوب ,  	والجزاء من جنس العمل (8)
 وقوله  صلى الله عليه وسلم  ( ويل لأقماع القول ) أي الذين لا يعون أوامر الشرع ولا يتأدبون بآدابه  	، قال جل ذكره ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ  	وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ  	يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ  	كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَْـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) الأعراف 179  	والذين يغفلون عما حولهم من آيات الله في الكون وفي الحياة , والذين يغفلون عما  	يمر بهم من الأحداث والغير فلا يرون فيها يد الله ... أولئك كالأنعام بل هم أضل  	..فللأنعام استعدادات فطرية تهديها , أما الجن والإنس فقد زودوا بالقلب الواعي  	والعين المبصرة والأذن الملتقطة , فإذا لم يفتحوا قلوبهم وأبصارهم وأسماعهم  	ليدركوا , إذا مروا بالحياة غافلين لا تلتقط قلوبهم معانيها وغاياتها , ولا  	تلتقط أعينهم مشاهدها ودلالاتها , ولا تلتقط آذانهم إيقاعاتها وإيحاءاتها ...  	فإنهم يكونون أضل من الأنعام الموكولة إلى استعداداتها الفطرية الهادية ...ثم  	هم يكونون من ذرء جهنم ! (9) , وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ  	أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ  	, وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ,  	إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ  	يَعْقِلُونَ ) الأنفال 20-22 جعلهم تعالى من جنس البهائم لصرفهم جوارحهم عما  	خلقت له ، ثم جعلهم شرها لأنهم عاندوا بعد الفهم , وكابروا بعد العقل , وفي  	ذكرهم في معرض التشبيه بهذا الأسلوب غاية في الذم
 وقوله  صلى الله عليه وسلم  ( ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون ) وهؤلاء الأشرار  	على النقيض من أهل الخير الذين قال تعالى فيهم ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ  	فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ  	لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ  	عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ , أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ  	مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ  	فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) آل عمران 135 -136 والفاحشة أبشع  	الذنوب وأكبرها , ولكن سماحة هذا الدين لا تطرد من يهوون إليها من رحمة الله ,  	ولا تجعلهم في ذيل القافلة ..قافلة المؤمنين ..إنما ترتفع بهم إلى أعلى مرتبة  	...مرتبة المتقين ..على شرط واحد , شرط يكشف عن طبيعة هذا الدين ووجهته ..أن  	يذكروا الله فيستغفروا لذنوبهم , وألا يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أنه  	الخطيئة , وألا يتبجحوا بالمعصية في غير تحرج ولا حياء .. وبعبارة أخرى أن  	يكونوا في إطار العبودية لله , والاستسلام له في النهاية , فيظلوا في كنف الله  	وفي محيط عفوه ورحمته وفضله
 والإسلام لا يدعو بهذا إلى الترخص , ولا يمجد العاثر الهابط , ولا يهتف له  	بجمال المستنقع ! كما تهتف [الواقعية] إنما هو يقيل عثرة الضعف , ليستجيش في  	النفس الإنسانية الرجاء , كما يستجيش فيها الحياء ! فالمغفرة من الله ــ ومن  	يغفر الذنوب إلا الله ؟ ــ تخجل ولا تطمع , وتثير الاستغفار ولا تثير الاستهتار  	, فأما الذين يستهترون ويصرون فهم هنالك خارج الأسوار , موصدة في وجوههم  	الأسوار ! (10)
 
  
  
            
            
            
            
                  |