11-01-2011
|
#192
|
طه
{126} قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى "قَالَ" الْأَمْر "كَذَلِكَ أَتَتْك آيَتنَا فَنَسِيتهَا" تَرَكْتهَا وَلَمْ تُؤْمِن بِهَا "وَكَذَلِكَ" مِثْل نِسْيَانك آيَاتنَا "الْيَوْم تُنْسَى" تُتْرَك فِي النَّار
{127} وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى "وَكَذَلِكَ" وَمِثْل جَزَائِنَا مَنْ أَعْرَضَ عَنْ الْقُرْآن "نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ" أَشْرَكَ "وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبّه وَلَعَذَاب الْآخِرَة أَشَدّ" مِنْ عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبْر "وَأَبْقَى" أَدْوَم
{128} أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى "أَفَلَمْ يَهْدِ" يَتَبَيَّن "لَهُمْ" لِكُفَّارِ مَكَّة "كَمْ" خَبَرِيَّة مَفْعُول "أَهْلَكْنَا" أَيْ كَثِيرًا إهْلَاكنَا "قَبْلهمْ مِنْ الْقُرُون" أَيْ الْأُمَم الْمَاضِيَة بِتَكْذِيبِ الرُّسُل "يَمْشُونَ" حَال مِنْ ضَمِير لَهُمْ "فِي مَسَاكِنهمْ" فِي سَفَرهمْ إلَى الشَّام وَغَيْرهَا فَيَعْتَبِرُوا وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَخْذ إهْلَاك مِنْ فِعْله الْخَالِي عَنْ حَرْف مَصْدَرِيّ لِرِعَايَةِ الْمَعْنَى لَا مَانِع مِنْهُ "إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات" لَعِبَرًا "لِأُولِي النُّهَى" لِذَوِي الْعُقُول
{129} وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى "وَلَوْلَا كَلِمَة سَبَقَتْ مِنْ رَبّك" بِتَأْخِيرِ الْعَذَاب عَنْهُمْ إلَى الْآخِرَة "لَكَانَ" الْإِهْلَاك "لِزَامًا" لَازِمًا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا "وَأَجَل مُسَمًّى" مَضْرُوب لَهُمْ مَعْطُوف عَلَى الضَّمِير الْمُسْتَتِر فِي كَانَ وَقَامَ الْفَصْل بِخَبَرِهَا مَكَان التَّأْكِيد
{130} فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى "فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ" مَنْسُوخ بِآيَةِ الْقِتَال "وَسَبِّحْ" صَلِّ "بِحَمْدِ رَبّك" حَال : أَيْ مُلْتَبِسًا بِهِ "قَبْل طُلُوع الشَّمْس" صَلَاة الصُّبْح "وَقَبْل غُرُوبهَا" صَلَاة الْعَصْر "وَمِنْ آنَاء اللَّيْل" سَاعَاته "فَسَبِّحْ" صَلِّ الْمَغْرِب وَالْعِشَاء "وَأَطْرَاف النَّهَار" عَطْف عَلَى مَحَلّ مِنْ آنَاء الْمَنْصُوب : أَيْ صَلِّ الظُّهْر لِأَنَّ وَقْتهَا يَدْخُل بِزَوَالِ الشَّمْس فَهُوَ طَرَف النِّصْف الْأَوَّل وَطَرَف النِّصْف الثَّانِي "لَعَلَّك تَرْضَى" بِمَا تُعْطَى مِنْ الثَّوَاب
{131} وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى "وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا" أَصْنَافًا "مِنْهُمْ زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا" زِينَتهَا وَبَهْجَتهَا "لِنَفْتِنهُمْ فِيهِ" بِأَنْ يَطْغَوْا "وَرِزْق رَبّك" فِي الْجَنَّة "خَيْر" مِمَّا أُوتُوهُ فِي الدُّنْيَا "وَأَبْقَى" أَدْوَم
{132} وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى "وَأْمُرْ أَهْلك بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ" اصْبِرْ "عَلَيْهَا لَا نَسْأَلك" نُكَلِّفك "رِزْقًا" لِنَفْسِك وَلَا لِغَيْرِك "نَحْنُ نَرْزُقك وَالْعَاقِبَة" الْجَنَّة "لِلتَّقْوَى" لِأَهْلِهَا
{133} وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى "وَقَالُوا" الْمُشْرِكُونَ "لَوْلَا" هَلَّا "يَأْتِينَا" مُحَمَّد "بِآيَةٍ مِنْ رَبّه" مِمَّا يَقْتَرِحُونَهُ "أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ" بِالتَّاءِ وَالْيَاء "بَيِّنَة" بَيَان "مَا فِي الصُّحُف الْأُولَى" الْمُشْتَمِل عَلَيْهِ الْقُرْآن مِنْ أَنْبَاء الْأُمَم الْمَاضِيَة وَإِهْلَاكهمْ بِتَكْذِيبِ الرُّسُل
{134} وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى "وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْله" قَبْل مُحَمَّد الرَّسُول "لَقَالُوا" يَوْم الْقِيَامَة "رَبّنَا لَوْلَا" هَلَّا "أَرْسَلْت إلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِع آيَاتك" الْمُرْسَل بِهَا "مِنْ قَبْل أَنْ نَذِلّ" فِي الْقِيَامَة "وَنَخْزَى" فِي جَهَنَّم
{135} قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى "قُلْ" لَهُمْ "كُلّ" مِنَّا وَمِنْكُمْ "مُتَرَبِّص" مُنْتَظِر مَا يَئُول إلَيْهِ الْأَمْر "فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ" فِي الْقِيَامَة "مَنْ أَصْحَاب الصِّرَاط" الطَّرِيق "السَّوِيّ" الْمُسْتَقِيم "وَمَنْ اهْتَدَى" مِنْ الضَّلَالَة أَنَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ
|
|
|
11-01-2011
|
#193
|
الأنبياء
{1} اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ سُورَة الْأَنْبِيَاء [ مَكِّيَّة وَهِيَ مِائَة وَاثْنَتَا عَشْرَة آيَة نَزَلَتْ بَعْد سُورَة إبْرَاهِيم ]
"اقْتَرَبَ" قَرُبَ "لِلنَّاس" أَهْل مَكَّة مُنْكِرِي الْبَعْث "حِسَابُهُم" يَوْم الْقِيَامَة "وَهُمْ فِي غَفْلَة" عَنْهُ "مُعْرِضُونَ" عَنْ التَّأَهُّب لَهُ بِالْإِيمَانِ
{2} مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ "مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ رَبّهمْ مُحْدَث" شَيْئًا فَشَيْئًا أَيْ لَفْظ قُرْآن "إلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ" يَسْتَهْزِئُونَ
{3} لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ "لَاهِيَة" غَافِلَة "قُلُوبهمْ" عَنْ مَعْنَاهُ "وَأَسَرُّوا النَّجْوَى" الْكَلَام "الَّذِينَ ظَلَمُوا" بَدَل مِنْ وَاو "هَلْ هَذَا" أَيْ مُحَمَّد "إلَّا بَشَر مِثْلكُمْ" فَمَا يَأْتِي بِهِ سِحْر "أَفَتَأْتُونَ السِّحْر" تَتَّبِعُونَهُ "وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ" تَعْلَمُونَ أَنَّهُ سِحْر
{4} قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "قَالَ" لَهُمْ "رَبِّي يَعْلَم الْقَوْل" كَائِنًا "فِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَهُوَ السَّمِيع" لِمَا أَسَرُّوهُ "الْعَلِيم" بِهِ
{5} بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ "بَلْ" لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَض إلَى آخَر فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة "قَالُوا" فِيمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْقُرْآن هُوَ "أَضْغَاث أَحْلَام" أَخْلَاط رَآهَا فِي النَّوْم "بَلْ افْتَرَاهُ" اخْتَلَقَهُ "بَلْ هُوَ شَاعِر" فَمَا أَتَى بِهِ شِعْر "فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ" كَالنَّاقَةِ وَالْعَصَا وَالْيَد
{6} مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ "مَا آمَنَتْ قَبْلهمْ مِنْ قَرْيَة" أَيْ أَهْلهَا "أَهْلَكْنَاهَا" بِتَكْذِيبِهَا مَا أَتَاهَا مِنْ الْآيَات "أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ" لَا
{7} وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ "وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك إلَّا رِجَالًا نُوحِي" وَفِي قِرَاءَة بِالْيَاءِ وَفَتْح الْحَاء "إلَيْهِمْ" الْمَلَائِكَة "فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكْر" الْعُلَمَاء بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل "إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ وَأَنْتُمْ إلَى تَصْدِيقهمْ أَقْرَب مِنْ تَصْدِيق الْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ
{8} وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ "وَمَا جَعَلْنَاهُمْ" أَيْ الرُّسُل "جَسَدًا" بِمَعْنَى أَجْسَادًا "لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَام" بَلْ يَأْكُلُونَهُ "وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ" فِي الدُّنْيَا
{9} ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ "ثُمَّ صَدَقْنَاهُمْ الْوَعْد" بِإِنْجَائِهِمْ "فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاء" الْمُصَدِّقِينَ لَهُمْ "وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ" الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ
{10} لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ "لَقَدْ أَنْزَلْنَا إلَيْكُمْ" يَا مَعْشَر قُرَيْش "كِتَابًا فِيهِ ذِكْركُمْ" لِأَنَّهُ بِلُغَتِكُمْ "أَفَلَا تَعْقِلُونَ" فَتُؤْمِنُونَ بِهِ
|
|
|
11-01-2011
|
#194
|
{11} وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ "وَكَمْ قَصَمْنَا" أَهْلَكْنَا "مِنْ قَرْيَة" أَيْ أَهْلهَا "كَانَتْ ظَالِمَة" كَافِرَة
{12} فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ "فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسنَا" شَعَرَ أَهْل الْقَرْيَة بِالْإِهْلَاكِ "إذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ" يَهْرُبُونَ مُسْرِعِينَ
{13} لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ فَقَالَتْ لَهُمْ الْمَلَائِكَة اسْتِهْزَاء "لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلَى مَا أُتْرِفْتُمْ" نُعِّمْتُمْ "فِيهِ وَمَسَاكِنكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ" شَيْئًا مِنْ دُنْيَاكُمْ عَلَى الْعَادَة
{14} قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ "قَالُوا يَا" لِلتَّنْبِيهِ "وَيْلنَا" هَلَاكنَا "إنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ" بِالْكُفْرِ
{15} فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ "فَمَا زَالَتْ تِلْكَ" الْكَلِمَات "دَعْوَاهُمْ" . يَدْعُونَ بِهَا وَيُرَدِّدُونَهَا "حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا" كَالزَّرْعِ الْمَحْصُود بِالْمَنَاجِلِ بِأَنْ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ "خَامِدِينَ" مَيِّتِينَ كَخُمُودِ النَّار إذَا طَفِئَتْ
{16} وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا لَاعِبِينَ" عَابِثِينَ بَلْ دَالِّينَ عَلَى قُدْرَتنَا وَنَافِعِينَ عِبَادنَا
{17} لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ "لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ لَهْوًا" مَا يُلْهَى بِهِ مِنْ زَوْجَة أَوْ وَلَد "لَاِتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا" مِنْ عِنْدنَا مِنْ الْحُور الْعِين وَالْمَلَائِكَة "إنْ كُنَّا فَاعِلِينَ" ذَلِكَ لَكِنَّا لَمْ نَفْعَلهُ فَلَمْ نُرِدْهُ
{18} بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ "بَلْ نَقْذِف" نَرْمِي "بِالْحَقِّ" الْإِيمَان "عَلَى الْبَاطِل" الْكُفْر "فَيَدْمَغهُ" يُذْهِبهُ "فَإِذَا هُوَ زَاهِق" ذَاهِب وَدَمَغَهُ فِي الْأَصْل : أَصَابَ دِمَاغه بِالضَّرْبِ وَهُوَ مَقْتَل "وَلَكُمْ" يَا كُفَّار مَكَّة "الْوَيْل" الْعَذَاب الشَّدِيد "مِمَّا تَصِفُونَ" اللَّه بِهِ مِنْ الزَّوْجَة أَوْ الْوَلَد
{19} وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ "وَلَهُ" تَعَالَى "مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض" مُلْكًا "وَمَنْ عِنْده" أَيْ الْمَلَائِكَة مُبْتَدَأ خَبَره "لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَته وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ" لَا يَعْيَوْنَ
{20} يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ "يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يَفْتُرُونَ" عَنْهُ فَهُوَ مِنْهُمْ كَالنَّفَسِ مِنَّا لَا يَشْغَلنَا عَنْهُ شَاغِل
{21} أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ "أَمْ" بِمَعْنَى بَلْ لِلِانْتِقَالِ وَالْهَمْزَة لِلْإِنْكَارِ "اتَّخَذُوا آلِهَة" كَائِنَة "مِنْ الْأَرْض" كَحَجَرٍ وَذَهَب وَفِضَّة "هُمْ" أَيْ الْآلِهَة "يَنْشُرُونَ" أَيْ يُحْيُونَ الْمَوْتَى ؟ لَا وَلَا يَكُون إلَهًا إلَّا مَنْ يُحْيِي الْمَوْتَى
{22} لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ "لَوْ كَانَ فِيهِمَا" أَيْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض "آلِهَة إلَّا اللَّه" أَيْ غَيْره "لَفَسَدَتَا" أَيْ خَرَجَتَا عَنْ نِظَامهمَا الْمُشَاهَد لِوُجُودِ التَّمَانُع بَيْنهمْ عَلَى وَفْق الْعَادَة عِنْد تَعَدُّد الْحَاكِم مِنْ التَّمَانُع فِي الشَّيْء وَعَدَم الِاتِّفَاق عَلَيْهِ "فَسُبْحَان" تَنْزِيه "اللَّه رَبّ" خَالِق "الْعَرْش" الْكُرْسِيّ "عَمَّا يَصِفُونَ" الْكُفَّار اللَّه بِهِ مِنْ الشَّرِيك لَهُ وَغَيْره
{23} لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ "لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ" عَنْ أَفْعَالهمْ
{24} أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ "أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونه آلِهَة" تَعَالَى أَيْ سِوَاهُ فِيهِ اسْتِفْهَام تَوْبِيخ "قُلْ هَاتُوا بُرْهَانكُمْ" عَلَى ذَلِكَ وَلَا سَبِيل إلَيْهِ "هَذَا ذِكْر مَنْ مَعِيَ" أُمَّتِي وَهُوَ الْقُرْآن "وَذِكْر مَنْ قَبْلِي" مِنْ الْأُمَم وَهُوَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَغَيْرهمَا مِنْ كُتُب اللَّه لَيْسَ فِي وَاحِد مِنْهَا أَنَّ مَعَ اللَّه إلَهًا مِمَّا قَالُوا تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ "بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقّ" تَوْحِيد اللَّه "فَهُمْ مُعْرِضُونَ" عَنْ النَّظَر الْمُوصِل إلَيْهِ
|
|
|
11-01-2011
|
#195
|
أنثى آ نارة المنتدى
{25} وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ رَسُول إلَّا نُوحِي" وَفِي قِرَاءَة بِالْيَاءِ وَفَتْح الْحَاء "إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَه إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِي" أَيْ وَحِّدُونِي
{26} وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ "وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا" مِنْ الْمَلَائِكَة "سُبْحَانه بَلْ" هُمْ "عِبَاد مُكْرَمُونَ" عِنْده وَالْعُبُودِيَّة تُنَافِي الْوِلَادَة
{27} لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ "لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ" لَا يَأْتُونَ بِقَوْلِهِمْ إلَّا بَعْد قَوْله "وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ" أَيْ بَعْده
{28} يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ "يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ وَمَا خَلْفهمْ" مَا عَمِلُوا وَمَا هُمْ عَامِلُونَ "وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنْ ارْتَضَى" تَعَالَى أَنْ يَشْفَع لَهُ "وَهُمْ مِنْ خَشْيَته" تَعَالَى "مُشْفِقُونَ" خَائِفُونَ
{29} وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ "وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إنِّي إلَه مِنْ دُونه" أَيْ اللَّه أَيْ غَيْره وَهُوَ إبْلِيس دَعَا إلَى عِبَادَة نَفْسه وَأَمَرَ بِطَاعَتِهَا "فَذَلِك نَجْزِيه جَهَنَّم كَذَلِكَ" كَمَا نَجْزِيه "نَجْزِي الظَّالِمِينَ" الْمُشْرِكِينَ
{30} أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ "أَوَلَمْ" بِوَاوٍ وَتَرْكهَا "يَرَ" يَعْلَم "الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا" سَدًّا بِمَعْنَى مَسْدُودَة "فَفَتَقْنَاهُمَا" جَعَلْنَا السَّمَاء سَبْعًا وَالْأَرْض سَبْعًا أَوْ فَتَقَ السَّمَاء أَنْ كَانَتْ لَا تُمْطِر فَأَمْطَرَتْ وَفَتَقَ الْأَرْض أَنْ كَانَتْ لَا تُنْبِت فَأَنْبَتَتْ "وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاء" النَّازِل مِنْ السَّمَاء وَالنَّابِع مِنْ الْأَرْض "كُلّ شَيْء حَيّ" مِنْ نَبَات وَغَيْره أَيْ فَالْمَاء سَبَب لِحَيَاتِهِ "أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" بِتَوْحِيدِي
{31} وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ "وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْض رَوَاسِيَ" جِبَالًا ثَوَابِت "أَنْ" لَا "تَمِيد" تَتَحَرَّك "بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا" الرَّوَاسِيَ "فِجَاجًا" مَسَالِك "سُبُلًا" بَدَل طُرُقًا نَافِذَة وَاسَعَة "لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ" إلَى مَقَاصِدهمْ فِي الْأَسْفَار
{32} وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ "وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا" لِلْأَرْضِ كَالسَّقْفِ لِلْبَيْتِ "مَحْفُوظًا" . عَنْ الْوُقُوع "وَهُمْ عَنْ آيَاتهَا" مِنْ الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم "مُعْرِضُونَ" لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا فَيَعْلَمُونَ أَنَّ خَالِقهَا لَا شَرِيك لَهُ
{33} وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر كُلّ" تَنْوِينه عِوَض عَنْ الْمُضَاف إلَيْهِ مِنْ الشَّمْس وَالْقَمَر وَتَابِعه وَهُوَ النُّجُوم "فِي فَلَك" مُسْتَدِير كَالطَّاحُونَةِ فِي السَّمَاء "يَسْبَحُونَ" يَسِيرُونَ بِسُرْعَةٍ كَالسَّابِحِ فِي الْمَاء وَلِلتَّشْبِيهِ بِهِ أَتَى بِضَمِيرِ جَمْع مَنْ يَعْقِل
{34} وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ وَنَزَلَ لَمَّا قَالَ الْكُفَّار إنَّ مُحَمَّدًا سَيَمُوتُ : "وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلك الْخُلْد" الْبَقَاء فِي الدُّنْيَا "أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ" فِيهَا؟ لَا فَالْجُمْلَة الْأَخِيرَة مَحَلّ الِاسْتِفْهَام الْإِنْكَارِيّ
{35} كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ "كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت" فِي الدُّنْيَا "وَنَبْلُوكُمْ" نَخْتَبِركُمْ "بِالشَّرِّ وَالْخَيْر" كَفَقْرٍ وَغِنًى وَسَقَم وَصِحَّة "فِتْنَة" مَفْعُول لَهُ أَيْ لِنَنْظُر أَتَصْبِرُونَ وَتَشْكُرُونَ أَمْ لَا "وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" فَنُجَازِيكُمْ
|
|
|
11-01-2011
|
#196
|
الأنبياء
{36} وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ "وَإِذَا رَءَاكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ" مَا "يَتَّخِذُونَك إلَّا هُزُوًا" أَيْ مَهْزُوءًا بِهِ يَقُولُونَ "أَهَذَا الَّذِي يَذْكُر آلِهَتكُمْ" أَيْ يَعِيبهَا "وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَن" لَهُمْ "هُمْ" تَأْكِيد "كَافِرُونَ" بِهِ إذْ قَالُوا مَا نَعْرِفهُ
{37} خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ وَنَزَلَ فِي اسْتِعْجَالهمْ الْعَذَاب "خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل" أَيْ أَنَّهُ لِكَثْرَةِ عَجَله فِي أَحْوَاله كَأَنَّهُ خُلِقَ مِنْهُ "سَأُورِيكُمْ آيَاتِي" مَوَاعِيدِي بِالْعَذَابِ "فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ" فِيهِ فَأَرَاهُمْ الْقَتْل بِبَدْرٍ
{38} وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ "وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْد" بِالْقِيَامَةِ "إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" فِيهِ
{39} لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ "لَوْ يَعْلَم الَّذِينَ كَفَرُوا حِين لَا يَكُفُّونَ" يَدْفَعُونَ "عَنْ وُجُوههمْ النَّار وَلَا عَنْ ظُهُورهمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ" يُمْنَعُونَ مِنْهَا فِي الْقِيَامَة وَجَوَاب لَوْ مَا قَالُوا ذَلِكَ
{40} بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ "بَلْ تَأْتِيهِمْ" الْقِيَامَة "بَغْتَة فَتَبْهَتهُمْ" تُحَيِّرهُمْ "فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ" يُمْهَلُونَ لِتَوْبَةٍ أَوْ مَعْذِرَةٍ
{41} وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ "وَلَقَدْ اُسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلك" فِيهِ تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَحَاقَ" نَزَلَ "بِاَلَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ" وَهُوَ الْعَذَاب فَكَذَا يَحِيق بِمَنْ اسْتَهْزَأَ بِك
{42} قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ "قُلْ" لَهُمْ "مَنْ يَكْلَؤُكُمْ" يَحْفَظكُمْ "بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار مِنْ الرَّحْمَن" مِنْ عَذَابه إنْ نَزَلَ بِكُمْ أَيْ : لَا أَحَد يَفْعَل ذَلِكَ وَالْمُخَاطَبُونَ لَا يَخَافُونَ عَذَاب اللَّه لِإِنْكَارِهِمْ لَهُ "بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْر رَبّهمْ" أَيْ الْقُرْآن "مُعْرِضُونَ" لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهِ
{43} أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ "أَمْ" فِيهَا مَعْنَى الْهَمْزَة لِلْإِنْكَارِ "لَهُمْ آلِهَة تَمْنَعهُمْ" مِمَّا يَسُوءهُمْ "مِنْ دُوننَا" أَيْ أَلَهُمْ مَنْ يَمْنَعهُمْ مِنْهُ غَيْرنَا ؟ لَا "لَا يَسْتَطِيعُونَ" أَيْ الْآلِهَة "نَصْر أَنْفُسهمْ" فَلَا يَنْصُرُونَهُمْ "وَلَا هُمْ" أَيْ الْكُفَّار "مِنَّا" مِنْ عَذَابنَا "يُصْحَبُونَ" يُجَارُونَ يُقَال صَحِبَك اللَّه : أَيْ حَفِظَك وَأَجَارَك
{44} بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ "بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ" بِمَا أَنْعَمْنَا عَلَيْهِمْ "حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمْ الْعُمُر" فَاغْتَرُّوا بِذَلِكَ "أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْض" نَقْصِد أَرْضهمْ "نَنْقُصهَا مِنْ أَطْرَافهَا" بِالْفَتْحِ عَلَى النَّبِيّ "أَفَهُمْ الْغَالِبُونَ" لَا بَلْ النَّبِيّ وَأَصْحَابه00
{45} قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّمَا أُنْذِركُمْ بِالْوَحْيِ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ : إِنَّمَا أُنْذِركُمْ أَيّهَا الْقَوْم بِتَنْزِيلِ اللَّه الَّذِي يُوحِيه إِلَيَّ مِنْ عِنْده , وَأُخَوِّفكُمْ بِهِ بَأْسه . كَمَا : 18577 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قُلْ إِنَّمَا أُنْذِركُمْ بِالْوَحْيِ } أَيْ بِهَذَا الْقُرْآن .
{45} قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ وَقَوْله : { وَلَا يَسْمَع الصُّمّ الدُّعَاء } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { وَلَا يَسْمَع } بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ " يَسْمَع " بِمَعْنَى أَنَّهُ فِعْل لِلصُّمِّ , وَ " الصُّمّ " حِينَئِذٍ مَرْفُوعُونَ . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " وَلَا تُسْمَع " بِالتَّاءِ وَضَمّهَا , فَالصُّمّ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة مَرْفُوعَة , لِأَنَّ قَوْله : " وَلَا تُسْمَع " لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة : وَلَا يُسْمِع اللَّه الصُّمّ الدُّعَاء . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ . وَمَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا يُصْغِي الْكَافِر بِاَللَّهِ بِسَمْعِ قَلْبه إِلَى تَذَكُّر مَا فِي وَحْي اللَّه مِنْ الْمَوَاعِظ وَالذِّكْر , فَيَتَذَكَّر بِهِ وَيَعْتَبِر , فَيَنْزَجِر عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مُقِيم مِنْ ضَلَاله إِذَا تُلِيَ عَلَيْهِ وَأُرِيدَ بِهِ ; وَلَكِنَّهُ يُعْرِض عَنْ الِاعْتِبَار بِهِ وَالتَّفَكُّر فِيهِ , فِعْل الْأَصَمّ الَّذِي لَا يَسْمَع مَا يُقَال لَهُ فَيَعْمَل بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18578 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا يَسْمَع الصُّمّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنْذَرُونَ } يَقُول : إِنَّ الْكَافِر قَدْ صُمَّ عَنْ كِتَاب اللَّه لَا يَسْمَعهُ , وَلَا يَنْتَفِع بِهِ وَلَا يَعْقِلهُ , كَمَا يَسْمَعهُ الْمُؤْمِن وَأَهْل الْإِيمَان .
{46} وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَة مِنْ عَذَاب رَبّك } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَئِنْ مَسَّتْ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَعْجِلِينَ بِالْعَذَابِ يَا مُحَمَّد نَفْحَة مِنْ عَذَاب رَبّك , يَعْنِي بِالنَّفْحَةِ النَّصِيب وَالْحَظّ , مِنْ قَوْلهمْ : نَفَحَ فُلَان لِفُلَانٍ مِنْ عَطَائِهِ : إِذَا أَعْطَاهُ قَسْمًا أَوْ نَصِيبًا مِنْ الْمَال . كَمَا : 18579 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَة مِنْ عَذَاب رَبّك } . . . الْآيَة , يَقُول : لَئِنْ أَصَابَتْهُمْ عُقُوبَة .
{46} وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ وَقَوْله : { لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } يَقُول : لَئِنْ أَصَابَتْهُمْ هَذِهِ النَّفْحَة مِنْ عُقُوبَة رَبّك يَا مُحَمَّد بِتَكْذِيبِهِمْ بِك وَكُفْرهمْ , لَيَعْلَمُنَّ حِينَئِذٍ غِبّ تَكْذِيبهمْ بِك , وَلَيَعْتَرِفُنَّ عَلَى أَنْفُسهمْ بِنِعْمَةِ اللَّه وَإِحْسَانه إِلَيْهِمْ وَكُفْرَانهمْ أَيَادِيه عِنْدهمْ , وَلَيَقُولُنَّ يَا وَيْلنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فِي عِبَادَتنَا الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد , وَتَرَكْنَا عِبَادَة اللَّه الَّذِي خَلَقَنَا وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا , وَوَضَعْنَا الْعِبَادَة غَيْر مَوْضِعهَا .
{47} وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط لِيَوْمِ الْقِيَامَة } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَنَضَع الْمَوَازِين } الْعَدْل وَهُوَ { الْقِسْط } . وَجَعَلَ الْقِسْط وَهُوَ مُوَحَّد مِنْ نَعْت الْمَوَازِين , وَهُوَ جَمْع لِأَنَّهُ فِي مَذْهَب عَدْل وَرِضًا وَنَظَر . وَقَوْله : { لِيَوْمِ الْقِيَامَة } يَقُول : لِأَهْلِ يَوْم الْقِيَامَة , وَمَنْ وَرَدَ عَلَى اللَّه فِي ذَلِكَ الْيَوْم مِنْ خَلْقه . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يُوَجِّه مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى " فِي " كَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْده : وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط فِي يَوْم الْقِيَامَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18580 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط لِيَوْمِ الْقِيَامَة } ... إِلَى آخِر الْآيَة , وَهُوَ كَقَوْلِهِ : { وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ الْحَقّ } 7 8 يَعْنِي بِالْوَزْنِ : الْقِسْط بَيْنهمْ بِالْحَقِّ فِي الْأَعْمَال الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات ; فَمَنْ أَحَاطَتْ حَسَنَاته بِسَيِّئَاتِهِ ثَقُلَتْ مَوَازِينه , يَقُول : أَذْهَبَتْ حَسَنَاته سَيِّئَاته , وَمَنْ أَحَاطَتْ سَيِّئَاته بِحَسَنَاتِهِ فَقَدْ خَفَّتْ مَوَازِينه وَأُمّه هَاوِيَة , يَقُول : أَذْهَبَتْ سَيِّئَاته حَسَنَاته . 18581 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط لِيَوْمِ الْقِيَامَة } قَالَ : إِنَّمَا هُوَ مَثَل , كَمَا يَجُوز الْوَزْن كَذَلِكَ يَجُوز الْحَقّ . قَالَ الثَّوْرِيّ : قَالَ لَيْث عَنْ مُجَاهِد : { وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط } قَالَ : الْعَدْل .
{47} وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ وَقَوْله : { فَلَا تُظْلَم نَفْس شَيْئًا } يَقُول : فَلَا يَظْلِم اللَّه نَفْسًا مِمَّنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ شَيْئًا بِأَنْ يُعَاقِبهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَعْمَلهُ أَوْ يَبْخَسهُ ثَوَاب عَمَل عَمِلَهُ وَطَاعَة أَطَاعَهُ بِهَا ; وَلَكِنْ يُجَازِي الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ , وَلَا يُعَاقِب مُسِيئًا إِلَّا بِإِسَاءَتِهِ .
{47} وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ وَقَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل أَتَيْنَا بِهَا } يَقُول : وَإِنْ كَانَ الَّذِي مَنْ عَمِلَ الْحَسَنَات أَوْ عَلَيْهِ مِنْ السَّيِّئَات وَزْن حَبَّة مِنْ خَرْدَل { أَتَيْنَا بِهَا } يَقُول : جِئْنَا بِهَا فَأَحْضَرْنَاهَا إِيَّاهُ . كَمَا : 18582 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : اِبْن زَيْد , فِي قَوْله { وَإِنْ كَانَ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل أَتَيْنَا بِهَا } قَالَ : كَتَبْنَاهَا وَأَحْصَيْنَاهَا لَهُ وَعَلَيْهِ . 18583 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل أَتَيْنَا بِهَا } قَالَ : يُؤْتِي بِهَا لَك وَعَلَيْك , ثُمَّ يَعْفُو إِنْ شَاءَ أَوْ يَأْخُذ , وَيَجْزِي بِمَا عَمِلَ لَهُ مِنْ طَاعَة . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 18584 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل أَتَيْنَا بِهَا } قَالَ : جَازَيْنَا بِهَا . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ كَانَ يَقُول : { وَإِنْ كَانَ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل أَتَيْنَا بِهَا } قَالَ : جَازَيْنَا بِهَا . وَقَالَ : { أَتَيْنَا بِهَا } فَأَخْرَجَ قَوْله بِهَا مَخْرَج كِنَايَة الْمُؤَنَّث , وَإِنْ كَانَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذَلِكَ قَوْله مِثْقَال حَبَّة , لِأَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ بِهَا الْحَبَّة دُون الْمِثْقَال , وَلَوْ عَنَى بِهِ الْمِثْقَال لَقِيلَ " بِهِ " . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ مُجَاهِدًا إِنَّمَا تَأَوَّلَ قَوْله : { أَتَيْنَا بِهَا } عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ , لِأَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " آتَيْنَا بِهَا " بِمَدِّ الْأَلِف .
{47} وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ وَقَوْله : { وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } يَقُول : وَحَسْب مَنْ شَهِدَ ذَلِكَ الْمَوْقِف بِنَا حَاسِبِينَ , لِأَنَّهُ لَا أَحَد أَعْلَم بِأَعْمَالِهِمْ وَمَا سَلَفَ فِي الدُّنَا مِنْ صَالِح أَوْ سَيِّئ مِنَّا .
{48} وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفُرْقَان وَضِيَاء وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى بْن عِمْرَان وَأَخَاهُ هَارُون الْفُرْقَان , يَعْنِي بِهِ الْكِتَاب الَّذِي يُفَرِّق بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . وَذَلِكَ هُوَ التَّوْرَاة فِي قَوْل بَعْضهمْ ; ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18585 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { الْفُرْقَان } قَالَ . الْكِتَاب . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18586 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفُرْقَان } الْفُرْقَان : التَّوْرَاة حَلَالهَا وَحَرَامهَا , وَمَا فَرَّقَ اللَّه بِهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 18587 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفُرْقَان } قَالَ : الْفُرْقَان : الْحَقّ آتَاهُ اللَّه مُوسَى وَهَارُون , فَرَّقَ بَيْنهمَا وَبَيْن فِرْعَوْن , فَقَضَى بَيْنهمْ بِالْحَقِّ . وَقَرَأَ : { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدنَا يَوْم الْفُرْقَان } 8 41 قَالَ . يَوْم بَدْر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ اِبْن زَيْد فِي ذَلِكَ أَشْبَه بِظَاهِرِ التَّنْزِيل , وَذَلِكَ لِدُخُولِ الْوَاو فِي الضِّيَاء , وَلَوْ كَانَ الْفُرْقَان هُوَ التَّوْرَاة كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ , لَكَانَ التَّنْزِيل : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفُرْقَان ضِيَاء ; لِأَنَّ الضِّيَاء الَّذِي آتَى اللَّه مُوسَى وَهَارُون هُوَ التَّوْرَاة الَّتِي أَضَاءَتْ لَهُمَا وَلِمَنْ اِتَّبَعَهُمَا أَمْر دِينهمْ فَبَصَّرَهُمْ الْحَلَال وَالْحَرَام , وَلَمْ يَقْصِد بِذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع ضِيَاء الْإِبْصَار . وَفِي دُخُول الْوَاو فِي ذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْفُرْقَان غَيْر التَّوْرَاة الَّتِي هِيَ ضِيَاء . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا يُنْكَر أَنْ يَكُون الضِّيَاء مِنْ نَعْت الْفُرْقَان , وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ وَاو فَيَكُون مَعْنَاهُ : وَضِيَاء آتَيْنَاهُ ذَلِكَ , كَمَا قَالَ { بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب وَحِفْظًا } 37 6 : 7 قِيلَ لَهُ : إِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْكَلَام يَحْتَمِلهُ , فَإِنَّ الْأَغْلَب مِنْ مَعَانِيه مَا قُلْنَا . وَالْوَاجِب أَنْ يُوَجَّه مَعَانِي كَلَام اللَّه إِلَى الْأَغْلَب الْأَشْهُر مِنْ وُجُوههَا الْمَعْرُوفَة عِنْد الْعَرَب مَا لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ ذَلِكَ مَا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ مِنْ حُجَّة خَبَر أَوْ عَقْل .
{48} وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ وَقَوْله : { وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ } يَقُول : وَتَذْكِيرًا لِمَنْ اِتَّقَى اللَّه بِطَاعَتِهِ وَأَدَاء فَرَائِضه اِجْتِنَاب مَعَاصِيه , ذَكَّرَهُمْ بِمَا أَتَى مُوسَى وَهَارُون مِنْ التَّوْرَاة .
{49} الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنْ السَّاعَة مُشْفِقُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفُرْقَان الذِّكْر الَّذِي آتَيْنَاهُمَا لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَخَافُونَ رَبّهمْ بِالْغَيْبِ , يَعْنِي فِي الدُّنْيَا أَنْ يُعَاقِبهُمْ فِي الْآخِرَة إِذَا قَدِمُوا عَلَيْهِ بِتَضْيِيعِهِمْ مَا أَلْزَمَهُمْ مِنْ فَرَائِضه ; فَهُمْ مِنْ خَشْيَته يُحَافِظُونَ عَلَى حُدُوده وَفَرَائِضه , وَهُمْ مِنْ السَّاعَة الَّتِي تَقُوم فِيهَا الْقِيَامَة مُشْفِقُونَ , حَذِرُونَ أَنْ تَقُوم عَلَيْهِمْ , فَيَرِدُوا عَلَى رَبّهمْ قَدْ فَرَّطُوا فِي الْوَاجِب عَلَيْهِمْ لِلَّهِ , فَيُعَاقِبهُمْ مِنْ الْعُقُوبَة بِمَا لَا قِبَل لَهُمْ بِهِ .
{50} وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهَذَا ذِكْر مُبَارَك أَنْزَلْنَاهُ } . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَهَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْر لِمَنْ تَذَكَّرَ بِهِ , وَمَوْعِظَة لِمَنْ اِتَّعَظَ بِهِ . " { مُبَارَك أَنْزَلْنَاهُ } كَمَا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاة إِلَى مُوسَى وَهَارُون ذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ .
{50} وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَأَنْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم لِهَذَا الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى مُحَمَّد مُنْكِرُونَ وَتَقُولُونَ هُوَ { أَضْغَاث أَحْلَام بَلْ اِفْتَرَاهُ هُوَ شَاعِر فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ } 21 5 وَإِنَّمَا الَّذِي آتَيْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ ذِكْر لِلْمُتَّقِينَ , كَاَلَّذِي آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون ذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18588 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَهَذَا ذِكْر مُبَارَك } ... إِلَى قَوْله : { أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ } : أَيْ هَذَا الْقُرْآن .
{51} وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رُشْده مِنْ قَبْل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رُشْده مِنْ قَبْل } مُوسَى وَهَارُون , وَوَفَّقْنَاهُ لِلْحَقِّ , وَأَنْقَذْنَاهُ مِنْ بَيْن قَوْمه وَأَهْل بَيْته مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان , كَمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى إِبْرَاهِيم , فَأَنْقَذْنَاهُ مِنْ قَوْمه وَعَشِيرَته مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان , وَهَدَيْنَاهُ إِلَى سَبِيل الرَّشَاد تَوْفِيقًا مِنَّا لَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18589 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى " ح " وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رُشْده مِنْ قَبْل } قَالَ : هَدَيْنَاهُ صَغِيرًا . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رُشْده مِنْ قَبْل } قَالَ : هَدَاهُ صَغِيرًا . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رُشْده مِنْ قَبْل } قَالَ : هَدَاهُ صَغِيرًا . 18590 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رُشْده مِنْ قَبْل } يَقُول : آتَيْنَاهُ هُدَاهُ .
{51} وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ وَقَوْله : { وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } يَقُول : وَكُنَّا عَالِمِينَ بِهِ أَنَّهُ ذُو يَقِين وَإِيمَان بِاَللَّهِ وَتَوْحِيد لَهُ , لَا يُشْرِك بِهِ شَيْئًا .
{52} إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمه } يَعْنِي فِي وَقْت قِيله وَحِين قِيله لَهُمْ : { مَا هَذِهِ التَّمَاثِيل الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } يَقُول : قَالَ لَهُمْ : أَيّ شَيْء هَذِهِ الصُّوَر الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا مُقِيمُونَ ؟ وَكَانَتْ تِلْكَ التَّمَاثِيل أَصْنَامهمْ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا ; كَمَا : 18591 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { مَا هَذِهِ التَّمَاثِيل الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } قَالَ : الْأَصْنَام . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا أَنَّ الْعَاكِف عَلَى الشَّيْء الْمُقِيم عَلَيْهِ بِشَوَاهِد ذَلِكَ , وَذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَنْ أَهْل التَّأْوِيل .
{53} قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم وَقَوْمه لِإِبْرَاهِيم : وَجَدْنَا آبَاءَنَا لِهَذِهِ الْأَوْثَان عَابِدِينَ , فَنَحْنُ عَلَى مِلَّة آبَائِنَا نَعْبُدهَا كَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ .
{54} قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ { قَالَ } إِبْرَاهِيم : { لَقَدْ كُنْتُمْ } أَيّهَا الْقَوْم { أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ } بِعِبَادَتِكُمْ إِيَّاهَا { فِي ضَلَال مُبِين } يَقُول : فِي ذَهَاب عَنْ سَبِيل الْحَقّ , وَجَوْر عَنْ قَصْد السَّبِيل مُبِين ; يَقُول : بَيِّن لِمَنْ تَأَمَّلَهُ بِعَقْلٍ أَنَّكُمْ كَذَلِكَ فِي جَوْر عَنْ الْحَقّ .
{55} قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ { قَالُوا أَجِئْتنَا بِالْحَقِّ } ؟ يَقُول : قَالَ أَبُوهُ وَقَوْمه لَهُ : أَجِئْتنَا بِالْحَقِّ فِيمَا تَقُول { أَمْ أَنْتَ } هَازِل لَاعِب { مِنْ اللَّاعِبِينَ } .
{56} قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ بَلْ رَبّكُمْ رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْرَاهِيم لَهُمْ : بَلْ جِئْتُكُمْ بِالْحَقِّ لَا اللَّعِب , رَبّكُمْ رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض الَّذِي خَلَقَهُنَّ , وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنْ أَنَّ رَبّكُمْ هُوَ رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض الَّذِي فَطَرَهُنَّ دُون التَّمَاثِيل الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ وَدُون كُلّ أَحَد سِوَاهُ شَاهِد مِنْ الشَّاهِدِينَ , يَقُول : فَإِيَّاهُ فَاعْبُدُوا لَا هَذِهِ التَّمَاثِيل الَّتِي هِيَ خَلْقه الَّتِي لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع .
{57} وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامكُمْ بَعْد أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ } ذُكِرَ أَنَّ إِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ حَلَفَ بِهَذِهِ الْيَمِين فِي سِرّ مِنْ قَوْمه وَخَفَاء , وَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَع ذَلِكَ مِنْهُ إِلَّا الَّذِي أَفْشَاهُ عَلَيْهِ حِين قَالُوا : مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لِمَنْ الظَّالِمِينَ , فَقَالُوا : سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرهُمْ يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18592 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامكُمْ } قَالَ : قَوْل إِبْرَاهِيم حِين اِسْتَتْبَعَهُ قَوْمه إِلَى عِيد لَهُمْ فَأَبَى وَقَالَ : إِنِّي سَقِيم , فَسَمِعَ مِنْهُ وَعِيد أَصْنَامهمْ رَجُل مِنْهُمْ اِسْتَأْخَرَ , وَهُوَ الَّذِي يَقُول : { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرهُمْ يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم } . 21 60 * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18593 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامكُمْ } قَالَ : نَرَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَسْمَعُوهُ بَعْد أَنْ تَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ .0
{58} فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ وَقَوْله : { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار سِوَى يَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش وَالْكِسَائِيّ : { فَجَعَلَهُمْ جِذَاذًا } بِمَعْنَى جَمْع جَذِيذ , كَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهِ جَمْع جَذِيذ وَجِذَاذ , كَمَا يُجْمَع الْخَفِيف خِفَاف , وَالْكَرِيم كِرَام . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : { جُذَاذًا } بِضَمِّ الْجِيم , لِإِجْمَاعِ قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَيْهِ , وَأَنَّ مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ فَهُوَ الصَّوَاب ; وَهُوَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ مَصْدَر مِثْل الرُّفَات , وَالْفُتَات , وَالدُّقَاق ; لَا وَاحِد لَهُ , وَأَمَّا مَنْ كَسَرَ الْجِيم فَإِنَّهُ جَمْع لِلْجَذِيذِ , وَالْجَذِيذ : هُوَ فَعِيل صُرِفَ مِنْ مَجْذُوذ إِلَيْهِ , مِثْل كَسِير وَهَشِيم , وَالْمَجْذُوذَة : الْمَكْسُورَة قِطَعًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18594 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا } يَقُول : حُطَامًا . 18595 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { جُذَاذًا } كَالصَّرِيمِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18596 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا } : أَيْ قِطَعًا . وَكَانَ سَبَب فِعْل إِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ بِآلِهَةِ قَوْمه ذَلِكَ , كَمَا : 18597 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : أَنَّ إِبْرَاهِيم قَالَ لَهُ أَبُوهُ : يَا إِبْرَاهِيم إِنَّ لَنَا عِيدًا لَوْ قَدْ خَرَجْت مَعَنَا إِلَيْهِ قَدْ أَعْجَبَك دِيننَا ! فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْعِيد , فَخَرَجُوا إِلَيْهِ , خَرَجَ مَعَهُمْ إِبْرَاهِيم , فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيق أَلْقَى نَفْسه وَقَالَ : إِنِّي سَقِيم , يَقُول : أَشْتَكِي رِجْلِي . فَتَوَاطَئُوا رِجْلَيْهِ وَهُوَ صَرِيع ; فَلَمَّا مَضَوْا نَادَى فِي آخِرهمْ , وَقَدْ بَقِيَ ضَعْفَى النَّاس : { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامكُمْ بَعْد أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ } فَسَمِعُوهَا مِنْهُ . ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيم إِلَى بَيْت الْآلِهَة , فَإِذَا هُنَّ فِي بَهْو عَظِيم , مُسْتَقْبِل بَاب الْبَهْو صَنَم عَظِيم إِلَى جَنْبه أَصْغَر مِنْهُ بَعْضهَا إِلَى بَعْض , كُلّ صَنَم يَلِيه أَصْغَر مِنْهُ , حَتَّى بَلَغُوا بَاب الْبَهْو , وَإِذَا هُمْ قَدْ جَعَلُوا طَعَامًا , فَوَضَعُوهُ بَيْن أَيْدِي الْآلِهَة , قَالُوا : إِذَا كَانَ حِين نَرْجِع رَجَعْنَا وَقَدْ بَارَكَتْ الْآلِهَة فِي طَعَامنَا فَأَكَلْنَا . فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ إِبْرَاهِيم وَإِلَى مَا بَيْن أَيْدِيهمْ مِنْ الطَّعَام { قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ } ؟ 51 27 فَلَمَّا لَمْ تُجِبْهُ , قَالَ : { مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ فَرَاغ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ } 37 92 : 93 فَأَخَذَ فَأْس حَدِيد , فَنَقَرَ كُلّ صَنَم فِي حَافَّتَيْهِ , ثُمَّ عَلَّقَ الْفَأْس فِي عُنُق الصَّنَم الْأَكْبَر , ثُمَّ خَرَجَ . فَلَمَّا جَاءَ الْقَوْم إِلَى طَعَامهمْ نَظَرُوا إِلَى آلِهَتهمْ { قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنْ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرهُمْ يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم } .
{58} فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ وَقَوْله : { إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ } يَقُول : إِلَّا عَظِيمًا لِلْآلِهَةِ , فَإِنَّ إِبْرَاهِيم لَمْ يَكْسِرهُ , وَلَكِنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ عَلَّقَ الْفَأْس فِي عُنُقه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18598 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ } قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِلَّا عَظِيمًا لَهُمْ عَظِيم آلِهَتهمْ . قَالَ اِبْن جُرَيْج , وَقَالَ مُجَاهِد : وَجَعَلَ إِبْرَاهِيم الْفَأْس الَّتِي أَهْلَكَ بِهَا أَصْنَامهمْ مُسْنَدَة إِلَى صَدْر كَبِيرهمْ الَّذِي تَرَكَ . 18599 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : جَعَلَ إِبْرَاهِيم الْفَأْس الَّتِي أَهْلَكَ بِهَا أَصْنَامهمْ مُسْنَدَة إِلَى صَدْر كَبِيرهمْ الَّذِي تُرِكَ . 18600 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ كَمَا قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى { ضَرْبًا بِالْيَمِينِ } ثُمَّ جَعَلَ يَكْسِرهُنَّ بِفَأْسٍ فِي يَده , حَتَّى إِذَا بَقِيَ أَعْظَم صَنَم مِنْهَا رَبَطَ الْفَأْس بِيَدِهِ , ثُمَّ تَرَكَهُنَّ . فَلَمَّا رَجَعَ قَوْمه , رَأَوْا مَا صَنَعَ بِأَصْنَامِهِمْ , فَرَاعَهُمْ ذَلِكَ وَأَعْظَمُوهُ وَقَالُوا : مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنْ الظَّالِمِينَ !
{58} فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ وَقَوْله { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } يَقُول : فَعَلَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيم بِآلِهَتِهِمْ لِيَعْتَبِرُوا وَيَعْلَمُوا أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَدْفَع عَنْ نَفْسهَا مَا فَعَلَ بِهَا إِبْرَاهِيم , فَهِيَ مِنْ أَنْ تَدْفَع عَنْ غَيْرهَا مِنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ أَبْعَد , فَيَرْجِعُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ عِبَادَتهَا إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ دِينه وَتَوْحِيد اللَّه وَالْبَرَاءَة مِنْ الْأَوْثَان . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18601 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } قَالَ : كَادَهُمْ بِذَلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أَوْ يُبْصِرُونَ .
{59} قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنْ الظَّالِمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ قَوْم إِبْرَاهِيم لَمَّا رَأَوْا آلِهَتهمْ قَدْ جُذَّتْ , إِلَّا الَّذِي رَبَطَ بِهِ الْفَاس إِبْرَاهِيم : مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا ؟ إِنَّ الَّذِي فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا لَمِنْ الظَّالِمِينَ ! أَيْ لَمِنْ الْفَاعِلِينَ بِهَا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْله .
{60} قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ { قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرهُمْ يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم } يَقُول : قَالَ الَّذِينَ سَمِعُوهُ يَقُول { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامكُمْ بَعْد أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ } سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرهُمْ بِعَيْبٍ يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم . كَمَا : 18602 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرهُمْ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : يَذْكُرهُمْ يَعِيبهُمْ . 18603 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَوْله : { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرهُمْ يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم } سَمِعْنَاهُ يَسُبّهَا وَيَعِيبهَا وَيَسْتَهْزِئ بِهَا , لَمْ نَسْمَع أَحَدًا يَقُول ذَلِكَ غَيْره , وَهُوَ الَّذِي نَظُنّ صَنَعَ هَذَا بِهَا .
{61} قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ وَقَوْله : { فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُن النَّاس } يَقُول تَعَالَى ذِكْره . قَالَ قَوْم إِبْرَاهِيم بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : فَأْتُوا بِاَلَّذِي فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ يَذْكُرهَا بِعَيْبٍ وَيَسُبّهَا وَيَذُمّهَا عَلَى أَعْيُن النَّاس ; فَقِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ : عَلَى رُءُوس النَّاس , وَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : بِأَعْيُنِ النَّاس وَمَرْأًى مِنْهُمْ , وَقَالُوا : إِنَّمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ أَظْهِرُوا الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ كَمَا تَقُول الْعَرَب إِذَا ظَهَرَ الْأَمْر وَشُهِرَ : كَانَ ذَلِكَ عَلَى أَعْيُن النَّاس , يُرَاد بِهِ كَانَ بِأَيْدِي النَّاس .
{61} قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : لَعَلَّ النَّاس يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ , فَتَكُون شَهَادَتهمْ عَلَيْهِ حُجَّة لِمَا عَلَيْهِ . وَقَالُوا إِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ بِغَيْرِ بَيِّنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18604 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُن النَّاس لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ . 18605 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُن النَّاس لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } قَالَ : كَرِهُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ بِغَيْرِ بَيِّنَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ مَا يُعَاقِبُونَهُ بِهِ . فَيُعَايِنُونَهُ وَيَرَوْنَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18606 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : بَلَغَ مَا فَعَلَ إِبْرَاهِيم بِآلِهَةِ قَوْمه نُمْرُود , وَأَشْرَاف قَوْمه , فَقَالُوا : { فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُن النَّاس لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } : أَيْ مَا يَصْنَع بِهِ . وَأَظْهَرَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا : فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُن النَّاس لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ عُقُوبَتنَا إِيَّاهُ , لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِذَلِكَ لِيَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ كَانَ يُقَال : اُنْظُرُوا مَنْ شَهِدَهُ يَفْعَل ذَلِكَ , وَلَمْ يَقُلْ : أَحْضِرُوهُ بِمَجْمَعٍ مِنْ النَّاس .
{62} قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْت هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَتَوْا بِإِبْرَاهِيم , فَلَمَّا أَتَوْا بِهِ قَالُوا لَهُ : أَأَنْتَ فَعَلْت هَذَا بِآلِهَتِنَا مِنْ الْكَسْر بِهَا يَا إِبْرَاهِيم ؟ .
{63} قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ فَأَجَابَهُمْ إِبْرَاهِيم : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ هَذَا وَعَظِيمهمْ , فَاسْأَلُوا الْآلِهَة مَنْ فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ وَكَسَرَهَا إِنْ كَانَتْ تَنْطِق أَوْ تُعَبِّر عَنْ نَفْسهَا ! وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18607 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : لَمَّا أُتِيَ بِهِ وَاجْتَمَعَ لَهُ قَوْمه عِنْد مَلِكهمْ نُمْرُود { قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْت هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيم قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ } غَضِبَ مِنْ أَنْ يَعْبُدُوا مَعَهُ هَذِهِ الصِّغَار وَهُوَ أَكْبَر مِنْهَا , فَكَسَرَهُنَّ . 18608 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ هَذَا } . .. الْآيَة , وَهِيَ هَذِهِ الْخَصْلَة الَّتِي كَادَهُمْ بِهَا . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض مَنْ لَا يُصَدِّق بِالْآثَارِ وَلَا يَقْبَل مِنْ الْأَخْبَار إِلَّا مَا اِسْتَفَاضَ بِهِ النَّقْل مِنْ الْعَوَامّ , أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ هَذَا } إِنَّمَا هُوَ : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ هَذَا إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ فَاسْأَلُوهُمْ , أَيْ إِنْ كَانَتْ الْآلِهَة الْمَكْسُورَة تَنْطِق فَإِنَّ كَبِيرهمْ هُوَ الَّذِي كَسَرَهُمْ . وَهَذَا قَوْل خِلَاف مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ إِبْرَاهِيم لَمْ يَكْذِب إِلَّا ثَلَاث كَذَبَات كُلّهَا فِي اللَّه , قَوْله : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ هَذَا } وَقَوْله : { إِنِّي سَقِيم } 37 89 وَقَوْله لِسَارَة : هِيَ أُخْتِي . وَغَيْر مُسْتَحِيل أَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَذِنَ لِخَلِيلِهِ فِي ذَلِكَ , لِيُقَرِّع قَوْمه بِهِ , وَيَحْتَجّ بِهِ عَلَيْهِمْ , وَتُعَرِّفهُمْ مَوْضِع خَطَئِهِمْ , وَسُوء نَظَرهمْ لِأَنْفُسِهِمْ , كَمَا قَالَ مُؤَذِّن يُوسُف لِإِخْوَتِهِ : { أَيَّتهَا الْعِير إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } 12 70 وَلَمْ يَكُونُوا سَرَقُوا شَيْئًا .
{64} فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسهمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَذَكَرُوا حِين قَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ } فِي أَنْفُسهمْ , وَرَجَعُوا إِلَى عُقُولهمْ , وَنَظَرَ بَعْضهمْ إِلَى بَعْض , فَقَالُوا : إِنَّكُمْ مَعْشَر الْقَوْم الظَّالِمُونَ هَذَا الرَّجُل فِي مَسْأَلَتكُمْ إِيَّاهُ وَقِيلكُمْ لَهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيم ؟ وَهَذِهِ آلِهَتكُمْ الَّتِي فُعِلَ بِهَا مَا فُعِلَ حَاضِرَتكُمْ فَاسْأَلُوهَا ! وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18609 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسهمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ } قَالَ : ارْعَوَوْا وَرَجَعُوا عَنْهُ - يَعْنِي عَنْ إِبْرَاهِيم , فِيمَا اِدَّعَوْا عَلَيْهِ مِنْ كَسْرهنَّ - إِلَى أَنْفُسهمْ فِيمَا بَيْنهمْ , فَقَالُوا : لَقَدْ ظَلَمْنَاهُ , وَمَا نَرَاهُ إِلَّا كَمَا قَالَ . 18610 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسهمْ } قَالَ : نَظَرَ بَعْضهمْ إِلَى بَعْض { فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ } .
{65} ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ وَقَوْله : { ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسهمْ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ثُمَّ غُلِبُوا فِي الْحُجَّة , فَاحْتَجُّوا عَلَى إِبْرَاهِيم بِمَا هُوَ حُجَّة لِإِبْرَاهِيم عَلَيْهِمْ , فَقَالُوا : لَقَدْ عَلِمْت مَا هَؤُلَاءِ الْأَصْنَام يَنْطِقُونَ . كَمَا : 18611 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثُمَّ قَالُوا : يَعْنِي قَوْم إِبْرَاهِيم , وَعَرَفُوا أَنَّهَا , يَعْنِي آلِهَتهمْ لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع وَلَا تَبْطِش : { لَقَدْ عَلِمْت مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ } : أَيْ لَا تَتَكَلَّم فَتُخْبِرنَا مَنْ صَنَعَ هَذَا بِهَا , وَمَا تَبْطِش بِالْأَيْدِي فَنُصَدِّقك , يَقُول اللَّه : { ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسهمْ } فِي الْحُجَّة عَلَيْهِمْ لِإِبْرَاهِيم حِين جَادَلَهُمْ , فَقَالَ عِنْد ذَلِكَ إِبْرَاهِيم حِين ظَهَرَتْ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ : { لَقَدْ عَلِمْت مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ } . 18612 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَالَ اللَّه : { ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسهمْ } أَدْرَكَتْ النَّاس حِيرَة سُوء . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : ثُمَّ نُكِسُوا فِي الْفِتْنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18613 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسهمْ } قَالَ : نُكِسُوا فِي الْفِتْنَة عَلَى رُءُوسهمْ , فَقَالُوا : لَقَدْ عَلِمْت مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة : مَعْنَى ذَلِكَ : ثُمَّ رَجَعُوا عَمَّا عَرَفُوا مِنْ حُجَّة إِبْرَاهِيم , فَقَالُوا : لَقَدْ عَلِمْت مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ , لِأَنَّ نَكْس الشَّيْء عَلَى رَأْسه : قَلْبه عَلَى رَأْسه وَتَصْيِير أَعْلَاهُ أَسْفَله ; وَمَعْلُوم أَنَّ الْقَوْم لَمْ يُقْلَبُوا عَلَى رُءُوس أَنْفُسهمْ , وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا نُكِسَتْ حُجَّتهمْ , فَأُقِيمَ الْخَبَر عَنْهُمْ مَقَام الْخَبَر عَنْ حُجَّتهمْ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَنَكْس الْحُجَّة لَا شَكّ إِنَّمَا هُوَ اِحْتِجَاج الْمُحْتَجّ عَلَى خَصْمه بِمَا هُوَ حُجَّة لِخَصْمِهِ . وَأَمَّا قَوْل السُّدِّيّ : ثُمَّ نُكِسُوا فِي الْفِتْنَة , فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا خَرَجُوا مِنْ الْفِتْنَة قَبْل ذَلِكَ فَنُكِسُوا فِيهَا . وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ , فَقَوْل بَعِيد مِنْ الْفُهُوم ; لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا رَجَعُوا عَمَّا عَرَفُوا مِنْ حُجَّة إِبْرَاهِيم , مَا اِحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ حُجَّة لَهُ , بَلْ كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ : لَا تَسْأَلهُمْ , وَلَكِنْ نَسْأَلك فَأَخْبِرْنَا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهَا , وَقَدْ سَمِعْنَا أَنَّك فَعَلْت ذَلِكَ ; وَلَكِنْ صَدَّقُوا الْقَوْل { فَقَالُوا لَقَدْ عَلِمْت مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ } وَلَيْسَ ذَلِكَ رُجُوعًا عَمَّا كَانُوا عَرَفُوا , بَلْ هُوَ إِقْرَار بِهِ .
{66} قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مَا لَا يَنْفَعكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرّكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْرَاهِيم لِقَوْمِهِ : أَفَتَعْبُدُونَ أَيّهَا الْقَوْم مَا لَا يَنْفَعكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرّكُمْ , وَأَنْتُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهَا لَمْ تَمْنَع نَفْسهَا مَنْ أَرَادَهَا بِسُوءٍ , وَلَا هِيَ تَقْدِر أَنْ تَنْطِق إِنْ سُئِلَتْ عَمَّنْ يَأْتِيهَا بِسُوءٍ فَتُخْبِر بِهِ , أَفَلَا تَسْتَحْيُونَ مِنْ عِبَادَة مَا كَانَ هَكَذَا ؟ كَمَا : 18614 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مَا لَا يَنْفَعكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرّكُمْ } ... الْآيَة , يَقُول يَرْحَمهُ اللَّه : أَلَا تَرَوْنَ أَنَّهُمْ لَمْ يَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسهمْ الضُّرّ الَّذِي أَصَابَهُمْ , وَأَنَّهُمْ لَا يَنْطِقُونَ فَيُخْبِرُونَكُمْ مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ بِهِمْ , فَكَيْف يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ !
{67} أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ وَقَوْله : { أُفّ لَكُمْ } يَقُول : قُبْحًا لَكُمْ وَلِلْآلِهَةِ الَّتِي تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه , أَفَلَا تَعْقِلُونَ قُبْح مَا تَفْعَلُونَ مِنْ عِبَادَتكُمْ مَا لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع , فَتَتْرُكُوا عِبَادَته , وَتَعْبُدُوا اللَّه الَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض , وَاَلَّذِي بِيَدِهِ النَّفْع وَالضُّرّ ؟
{68} قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ بَعْض قَوْم إِبْرَاهِيم لِبَعْضٍ : حَرِّقُوا إِبْرَاهِيم بِالنَّارِ { وَانْصُرُوا آلِهَتكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ نَاصِرِيهَا وَلَمْ تُرِيدُوا تَرْك عِبَادَتهَا . وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ رَجُل مِنْ أَكْرَاد فَارِس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18615 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتكُمْ } قَالَ : قَالَهَا رَجُل مِنْ أَعْرَاب فَارِس , يَعْنِي الْأَكْرَاد . 18616 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي وَهْب بْن سُلَيْمَان , عَنْ شُعَيْب الْجَبَايّ , قَالَ : إِنَّ الَّذِي قَالَ حَرِّقُوهُ " هيزن " فَخَسَفَ اللَّه بِهِ الْأَرْض , فَهُوَ يَتَجَلْجَل فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . 18617 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : أَجْمَع نُمْرُود وَقَوْمه فِي إِبْرَاهِيم فَقَالُوا : { حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } أَيْ لَا تَنْصُرُوهَا مِنْهُ إِلَّا بِالتَّحْرِيقِ بِالنَّارِ إِنْ كُنْتُمْ نَاصِرِيهَا . 18618 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ الْحَسَن بْن دِينَار , عَنْ لَيْث بْن أَبِي سُلَيْم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : تَلَوْت هَذِهِ الْآيَة عَلَى عَبْد اللَّه بْن عُمَر , فَقَالَ : أَتَدْرِي يَا مُجَاهِد مَنْ الَّذِي أَشَارَ بِتَحْرِيقِ إِبْرَاهِيم بِالنَّارِ ؟ قَالَ : قُلْت لَا . قَالَ : رَجُل مِنْ أَعْرَاب فَارِس . قُلْت : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن , أَوَهَلْ لِلْفُرْسِ أَعْرَاب ؟ قَالَ : نَعَمْ الْكُرْد هُمْ أَعْرَاب فَارِس , فَرَجُل مِنْهُمْ هُوَ الَّذِي أَشَارَ بِتَحْرِيقِ إِبْرَاهِيم بِالنَّارِ .
{69} قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَقَوْله : { قُلْنَا يَا نَار كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم } فِي الْكَلَام مَتْرُوك اُجْتُزِئَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ مِنْهُ , وَهُوَ : فَأَوْقَدُوا لَهُ نَارًا لِيُحَرِّقُوهُ ثُمَّ أَلْقَوْهُ فِيهَا , فَقُلْنَا لِلنَّارِ : يَا نَار كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم وَذُكِرَ أَنَّهُمْ لَمَّا أَرَادُوا إِحْرَاقه بَنَوْا لَهُ بُنْيَانًا ; كَمَا : 18619 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : { قَالُوا اِبْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيم } قَالَ : فَحَبَسُوهُ فِي بَيْت , وَجَمَعُوا لَهُ حَطَبًا , حَتَّى إِنْ كَانَتْ الْمَرْأَة لَتَمْرَض فَتَقُول : لَئِنْ عَافَانِي اللَّه لَأَجْمَعَنَّ حَطَبًا لِإِبْرَاهِيم ! فَلَمَّا جَمَعُوا لَهُ , وَأَكْثَرُوا مِنْ الْحَطَب حَتَّى إِنَّ الطَّيْر لِتَمُرّ بِهَا فَتَحْتَرِق مِنْ شِدَّة وَهَجهَا , فَعَمَدُوا إِلَيْهِ فَرَفَعُوهُ عَلَى رَأْس الْبُنْيَان , فَرَفَعَ إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسه إِلَى السَّمَاء , فَقَالَتْ السَّمَاء وَالْأَرْض وَالْجِبَال وَالْمَلَائِكَة : رَبّنَا , إِبْرَاهِيم يُحَرَّق فِيك ! فَقَالَ : أَنَا أَعْلَم بِهِ , وَإِنْ دَعَاكُمْ فَأَغِيثُوهُ ! وَقَالَ إِبْرَاهِيم . حِين رَفَعَ رَأْسه إِلَى السَّمَاء : اللَّهُمَّ أَنْتَ الْوَاحِد فِي السَّمَاء وَأَنَا الْوَاحِد فِي الْأَرْض لَيْسَ فِي الْأَرْض أَحَد يَعْبُدك غَيْرِي , حَسْبِي اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل ! فَقَذَفُوهُ فِي النَّار , فَنَادَاهَا فَقَالَ : { يَا نَار كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم } فَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ الَّذِي نَادَاهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : لَوْ لَمْ يُتْبِع بَرْدهَا سَلَامًا لَمَاتَ إِبْرَاهِيم مِنْ شِدَّة بَرْدهَا , فَلَمْ يَبْقَ يَوْمئِذٍ نَار فِي الْأَرْض إِلَّا طَفِئَتْ , ظَنَّتْ أَنَّهَا هِيَ تُعْنَى . فَلَمَّا طَفِئَتْ النَّار نَظَرُوا إِلَى إِبْرَاهِيم , فَإِذَا هُوَ رَجُل آخَر مَعَهُ , وَإِذَا رَأْس إِبْرَاهِيم فِي حِجْره يَمْسَح عَنْ وَجْهه الْعَرَق ; وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُل هُوَ مَلَك الظِّلّ . وَأَنْزَلَ اللَّه نَارًا فَانْتَفَعَ بِهَا بَنُو آدَم , وَأَخْرَجُوا إِبْرَاهِيم , فَأَدْخَلُوهُ عَلَى الْمَلِك , وَلَمْ يَكُنْ قَبْل ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْهِ . 18620 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن الْمِقْدَام أَبُو الْأَشْعَث , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , قَالَ : ثنا قَتَاده , عَنْ أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ كَعْب , قَالَ : مَا أَحْرَقَتْ النَّار مِنْ إِبْرَاهِيم إِلَّا وَثَاقه . 18621 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قُلْنَا يَا نَار كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُول : مَا اِنْتَفَعَ بِهَا يَوْمئِذٍ أَحَد مِنْ النَّاس . وَكَانَ كَعْب يَقُول : مَا أَحْرَقَتْ النَّار يَوْمئِذٍ إِلَّا وَثَاقه . 18622 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ شَيْخ , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي قَوْله : { قُلْنَا يَا نَار كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم } قَالَ : بَرَدَتْ عَلَيْهِ حَتَّى كَادَتْ تَقْتُلهُ , حَتَّى قِيلَ : " وَسَلَامًا " , قَالَ : لَا تَضُرِّيهِ . 18623 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , قَالَ : قَالَ إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه : مَا كُنْت أَيَّامًا قَطُّ أَنْعَم مِنِّي مِنْ الْأَيَّام الَّتِي كُنْت فِيهَا فِي النَّار . 18624 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , قَالَ : لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّار , قَالَ الْمَلَك خَازِن الْمَطَر : رَبّ خَلِيلك إِبْرَاهِيم ! رَجَا أَنْ يُؤْذَن لَهُ فَيُرْسِل الْمَطَر . قَالَ : فَكَانَ أَمْر اللَّه أَسْرَع مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ : { قُلْنَا يَا نَار كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم } فَلَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْض نَار إِلَّا طَفِئَتْ . 18625 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الْحَارِث , عَنْ أَبِي زُرْعَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : إِنَّ أَحْسَن شَيْء قَالَهُ أَبُو إِبْرَاهِيم لَمَّا رُفِعَ عَنْهُ الطَّبَق وَهُوَ فِي النَّار , وَجَدَهُ يَرْشَح جَبِينه , فَقَالَ عِنْد ذَلِكَ : نِعْمَ الرَّبّ رَبّك يَا إِبْرَاهِيم . 18626 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي وَهْب بْن سُلَيْمَان عَنْ شُعَيْب الْجَبَايّ , قَالَ : أُلْقِيَ إِبْرَاهِيم فِي النَّار وَهُوَ اِبْن سِتّ عَشْرَة سَنَة , وَذُبِحَ إِسْحَاق وَهُوَ اِبْن سَبْع سِنِينَ , وَوَلَدَتْهُ سَارَة وَهِيَ اِبْنَة تِسْعِينَ سَنَة , وَكَانَ مَذْبَحه مِنْ بَيْت إِيلِيَاء عَلَى مِيلَيْنِ , وَلَمَّا عَلِمَتْ سَارَة بِمَا أَرَادَ بِإِسْحَاق بَطِنَتْ يَوْمَيْنِ , وَمَاتَتْ الْيَوْم الثَّالِث . قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ كَعْب الْأَحْبَار : مَا أَحْرَقَتْ النَّار مِنْ إِبْرَاهِيم شَيْئًا غَيْر وَثَاقه الَّذِي أَوْثَقُوهُ بِهِ . 18627 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ بَعْض أَصْحَابه قَالَ : جَاءَ جِبْرِيل إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام وَهُوَ يُوثَق أَوْ يُقْمَط لِيُلْقَى فِي النَّار , قَالَ : يَا إِبْرَاهِيم أَلَك حَاجَة ؟ قَالَ : أَمَّا إِلَيْك فَلَا . 18628 - قَالَ : ثنا مُعْتَمِر , قَالَ : ثنا اِبْن كَعْب , عَنْ أَرْقَم : أَنَّ إِبْرَاهِيم قَالَ حِين جَعَلُوا يُوثِقُونَهُ لِيُلْقُوهُ فِي النَّار : لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك رَبّ الْعَالَمِينَ , لَك الْحَمْد , وَلَك الْمُلْك لَا شَرِيك لَك . 18629 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , فِي قَوْله : { قُلْنَا يَا نَار كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم } قَالَ : السَّلَام لَا يُؤْذِيه بَرْدهَا , وَلَوْلَا أَنَّهُ قَالَ : " وَسَلَامًا " لَكَانَ الْبَرْد أَشَدّ عَلَيْهِ مِنْ الْحَرّ . 18630 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { بَرْدًا } قَالَ : بَرَدَتْ عَلَيْهِ { وَسَلَامًا } لَا تُؤْذِيه . 18631 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { قُلْنَا يَا نَار كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم } قَالَ : قَالَ كَعْب : مَا اِنْتَفَعَ أَحَد مِنْ أَهْل الْأَرْض يَوْمئِذٍ بِنَارٍ , وَلَا أَحْرَقَتْ النَّار يَوْمئِذٍ شَيْئًا إِلَّا وَثَاق إِبْرَاهِيم . وَقَالَ قَتَادَة : لَمْ تَأْتِ يَوْمئِذٍ دَابَّة إِلَّا أَطْفَأَتْ عَنْهُ النَّار , إِلَّا الْوَزَغ . وَقَالَ الزُّهْرِيّ : أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ , وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا .
{70} وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ وَقَوْله : { وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَرَادُوا بِإِبْرَاهِيم كَيْدًا , { فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَخْسَرِينَ } يَعْنِي الْهَالِكِينَ . وَقَدْ : 18632 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَخْسَرِينَ } قَالَ : أَلْقَوْا شَيْخًا مِنْهُمْ فِي النَّار لِأَنْ يُصِيبُوا نَجَاته , كَمَا نُجِّيَ إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاحْتَرَقَ .
{71} وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَنَجَّيْنَا إِبْرَاهِيم وَلُوطًا مِنْ أَعْدَائِهِمَا نُمْرُود وَقَوْمه مِنْ أَرْض الْعِرَاق , { إِلَى الْأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } وَهِيَ أَرْض الشَّام , فَارَقَ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ قَوْمه وَدِينهمْ وَهَاجَرَ إِلَى الشَّام . وَهَذِهِ الْقِصَّة الَّتِي قَصَّ , اللَّه مِنْ نَبَأ إِبْرَاهِيم وَقَوْمه تَذْكِير مِنْهُ بِهَا قَوْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْش أَنَّهُمْ قَدْ سَلَكُوا فِي عِبَادَتهمْ الْأَوْثَان , وَأَذَاهُمْ مُحَمَّدًا عَلَى نَهْيه عَنْ عِبَادَتهَا , وَدُعَائِهِمْ إِلَى عِبَادَة اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين , مَسْلَك أَعْدَاء أَبِيهِمْ إِبْرَاهِيم وَمُخَالَفَتهمْ دِينه , وَأَنَّ مُحَمَّدًا فِي بَرَاءَته مِنْ عِبَادَتهَا وَإِخْلَاصه الْعِبَادَة لِلَّهِ , وَفِي دُعَائِهِمْ إِلَى الْبَرَاءَة مِنْ الْأَصْنَام , وَفِي الصَّبْر عَلَى مَا يَلْقَى مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ سَالِك مِنْهَاج أَبِيهِ إِبْرَاهِيم , وَأَنَّهُ مُخْرِجه مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ كَمَا أَخْرَجَ إِبْرَاهِيم مِنْ بَيْن أَظْهُر قَوْمه حِين تَمَادَوْا فِي غَيّهمْ إِلَى مُهَاجَره مِنْ أَرْض الشَّام , وَمُسَلٍّ بِذَلِكَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَلْقَى مِنْ قَوْمه مِنْ الْمَكْرُوه وَالْأَذَى , وَمُعَلِّمه أَنَّهُ مُنَجِّيه مِنْهُمْ كَمَا نَجَّى أَبَاهُ إِبْرَاهِيم مِنْ كَفَرَة قَوْمه . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْأَرْض الَّتِي ذَكَرَ اللَّه أَنَّهُ نَجَّى إِبْرَاهِيم وَلُوطًا إِلَيْهَا وَوَصَفَهُ أَنَّهُ بَارَكَ فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . فَقَالَ بَعْضهمْ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18633 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن حُرَيْث الْمَرْوَزِيّ أَبُو عَمَّار , قَالَ : ثنا الْفَضْل بْن مُوسَى , عَنْ الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب : { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } قَالَ : الشَّام , وَمَا مِنْ مَاء عَذْب إِلَّا خَرَجَ مِنْ تِلْكَ الصَّخْرَة الَّتِي بِبَيْتِ الْمَقْدِس . 18634 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ فُرَات الْقَزَّاز , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { إِلَى الْأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } قَالَ : الشَّام . 18635 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } كَانَا بِأَرْضِ الْعِرَاق , فَأُنْجِيَا إِلَى أَرْض الشَّام . وَكَانَ يُقَال لِلشَّامِ عِمَاد دَار الْهِجْرَة , وَمَا نَقَصَ مِنْ الْأَرْض زِيدَ فِي الشَّام , وَمَا نَقَصَ مِنْ الشَّام زِيدَ فِي فِلَسْطِين . وَكَانَ يُقَال : هِيَ أَرْض الْمَحْشَر وَالْمَنْشَر , وَبِهَا مَجْمَع النَّاس , وَبِهَا يَنْزِل عِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَبِهَا يُهْلِك اللَّه شَيْخ الضَّلَالَة الْكَذَّاب الدَّجَّال . وَحَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " رَأَيْت فِيمَا يَرَى النَّائِم كَأَنَّ الْمَلَائِكَة حَمَلَتْ عَمُود الْكِتَاب فَوَضَعَتْهُ بِالشَّأْمِ , فَأَوَّلْته أَنَّ الْفِتَن إِذَا وَقَعَ فَإِنَّ الْإِيمَان بِالشَّأْمِ " . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَات يَوْم فِي خُطَبه : " إِنَّهُ كَائِن بِالشَّأْمِ جُنْد , وَبِالْعِرَاقِ جُنْد , وَبِالْيَمَنِ جُنْد " . فَقَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِرْ لِي ! فَقَالَ : " عَلَيْك بِالشَّأْمِ فَإِنَّ اللَّه قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّأْمِ وَأَهْله , فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِأَمْنِهِ وَلْيَسْقِ بِقَدَرِهِ " . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : يَا كَعْب أَلَا تُحَوِّل إِلَى الْمَدِينَة فَإِنَّهَا مُهَاجَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْضِع قَبْره ؟ فَقَالَ لَهُ كَعْب : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , إِنِّي أَجِد فِي كِتَاب اللَّه الْمُنْزَل أَنَّ الشَّام كَنْز اللَّه مِنْ أَرْضه وَبِهَا كَنْزه مِنْ عِبَاده . 18636 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } قَالَ : هَاجَرَا جَمِيعًا مِنْ كُوثَى إِلَى الشَّام . 18637 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : اِنْطَلَقَ إِبْرَاهِيم وَلُوط قِبَل الشَّأْم , فَلَقِيَ إِبْرَاهِيم سَارَة , وَهِيَ بِنْت مَلِك حَرَّان , وَقَدْ طَعَنَتْ عَلَى قَوْمهَا فِي دِينهمْ , فَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا يُغَيِّرهَا . 18638 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : خَرَجَ إِبْرَاهِيم مُهَاجِرًا إِلَى رَبّه , وَخَرَجَ مَعَهُ لُوط مُهَاجِرًا , وَتَزَوَّجَ سَارَة اِبْنَة عَمّه , فَخَرَجَ بِهَا مَعَهُ يَلْتَمِس الْفِرَار بِدِينِهِ وَالْأَمَان عَلَى عِبَادَة رَبّه , حَتَّى نَزَلَ حَرَّان , فَمَكَثَ فِيهَا مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَمْكُث . ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مُهَاجِرًا حَتَّى قَدِمَ مِصْر . ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مِصْر إِلَى الشَّام , فَنَزَلَ السَّبْع مِنْ أَرْض فِلَسْطِين , وَهِيَ بَرِّيَّة الشَّام , وَنَزَلَ لُوط بِالْمُؤْتَفِكَةِ , وَهِيَ مِنْ السَّبْع عَلَى مَسِيرَة يَوْم وَلَيْلَة , أَوْ أَقْرَب مِنْ ذَلِكَ , فَبَعَثَهُ اللَّه نَبِيًّا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 18639 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } قَالَ : نَجَّاهُ مِنْ أَرْض الْعِرَاق إِلَى أَرْض الشَّام . 18640 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } قَالَ : لَيْسَ مَاء عَذْب إِلَّا يَهْبِط إِلَى الصَّخْرَة الَّتِي بِبَيْتِ الْمَقْدِس , قَالَ : ثُمَّ يَتَفَرَّق فِي الْأَرْض . 18641 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } قَالَ : إِلَى الشَّام . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يَعْنِي مَكَّة وَهِيَ الْأَرْض الَّتِي قَالَ اللَّه تَعَالَى : { الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18642 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } يَعْنِي مَكَّة وَنُزُول إِسْمَاعِيل الْبَيْت ; أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَة مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ } ؟ 3 96 قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا مَا اِخْتَرْنَا مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن جَمِيع أَهْل الْعِلْم أَنَّ هِجْرَة إِبْرَاهِيم مِنْ الْعِرَاق كَانَتْ إِلَى الشَّام وَبِهَا كَانَ مَقَامه أَيَّام حَيَاته , وَإِنْ كَانَ قَدْ كَانَ قَدِمَ مَكَّة وَبَنَى بِهَا الْبَيْت وَأَسْكَنَهَا إِسْمَاعِيل اِبْنه مَعَ أُمّه هَاجَر ; غَيْر أَنَّهُ لَمْ يُقِمْ بِهَا وَلَمْ يَتَّخِذهَا وَطَنًا لِنَفْسِهِ , وَلَا لُوط , وَاَللَّه إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ إِبْرَاهِيم وَلُوط أَنَّهُمَا أَنْجَاهُمَا إِلَى الْأَرْض الَّتِي بَارَكَ فِيهَا لِلْعَالَمِينَ .
{72} وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب نَافِلَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَوَهَبْنَا لِإِبْرَاهِيم إِسْحَاق وَلَدًا وَيَعْقُوب وَلَد وَلَده , نَافِلَة لَك . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { نَافِلَة } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ يَعْقُوب خَاصَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18643 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب نَافِلَة } يَقُول : وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَلَدًا , وَيَعْقُوب اِبْن اِبْن نَافِلَة . 18644 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب نَافِلَة } وَالنَّافِلَة : اِبْن اِبْنه يَعْقُوب . 18645 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب نَافِلَة } قَالَ : سَأَلَ وَاحِدًا فَقَالَ : رَبّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ ! فَأَعْطَاهُ وَاحِدًا , وَزَادَهُ يَعْقُوب ; وَيَعْقُوب وَلَد وَلَده . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ إِسْحَاق وَيَعْقُوب . قَالُوا : وَإِنَّمَا مَعْنَى النَّافِلَة : الْعَطِيَّة , وَهُمَا جَمِيعًا مِنْ عَطَاء اللَّه أَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18646 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان . عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب نَافِلَة } قَالَ : عَطِيَّة . 18647 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { إِسْحَاق وَيَعْقُوب نَافِلَة } قَالَ : عَطَاء . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل أَنَّ النَّافِلَة الْفَضْل مِنْ الشَّيْء يَصِير إِلَى الرَّجُل مِنْ أَيّ شَيْء كَانَ ذَلِكَ , وَكِلَا وَلَدَيْهِ إِسْحَاق وَيَعْقُوب كَانَ فَضْلًا مِنْ اللَّه تَفَضَّلَ بِهِ عَلَى إِبْرَاهِيم وَهِبَة مِنْهُ لَهُ . وَجَائِز أَنْ يَكُون عَنَى بِهِ أَنَّهُ آتَاهُمَا إِيَّاهُ جَمِيعًا نَافِلَة مِنْهُ لَهُ , وَأَنْ يَكُون عَنَى أَنَّهُ آتَاهُ نَافِلَة يَعْقُوب ; وَلَا بُرْهَان يَدُلّ عَلَى أَيّ ذَلِكَ الْمُرَاد مِنْ الْكَلَام , فَلَا شَيْء أَوْلَى أَنْ يُقَال فِي ذَلِكَ مَا قَالَ اللَّه وَوَهَبَ اللَّه لِإِبْرَاهِيم إِسْحَاق وَيَعْقُوب نَافِلَة .
{72} وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَقَوْله : { وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ } يَعْنِي عَامِلِينَ بِطَاعَةِ اللَّه , مُجْتَنِبِينَ مَحَارِمه . وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { كُلًّا } : إِبْرَاهِيم , وَإِسْحَاق , وَيَعْقُوب00
{73} وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّة" بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَال الثَّانِيَة يَاء يُقْتَدَى بِهِمْ فِي الْخَيْر "يَهْدُونَ" النَّاس" "بِأَمْرِنَا" إلَى دِيننَا "وَأَوْحَيْنَا إلَيْهِمْ فِعْل الْخَيْرَات وَإِقَامَة الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة" أَيْ أَنْ تُفْعَل وَتُقَام وَتُؤْتَى مِنْهُمْ وَمِنْ أَتْبَاعهمْ وَحُذِفَ هَاء إقَامَة تَخْفِيف
{74} وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ "وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا" فَصْلًا بَيْن الْخُصُوم "وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ تَعْمَل" أَيْ أَهْلهَا الْأَعْمَال "الْخَبَائِث" مِنْ اللِّوَاط وَالرَّمْي بِالْبُنْدُقِ وَاللَّعِب بِالطُّيُورِ وَغَيْر ذَلِكَ "إنَّهُمْ كَانُوا قَوْم سَوْء" مَصْدَر سَاءَهُ نَقِيض سَرَّهُ
{75} وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ "وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتنَا" بِأَنْ أَنْجَيْنَاهُ مِنْ قَوْمه
{76} وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ "وَ" اُذْكُرْ "نُوحًا" وَمَا بَعْده بَدَل مِنْهُ "إذْ نَادَى" دَعَا عَلَى قَوْمه بِقَوْلِهِ "رَبّ لَا تَذَر" إلَخْ "مِنْ قَبْل" أَيْ قَبْل إبْرَاهِيم وَلُوط "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ" الَّذِينَ فِي سَفِينَته "مِنْ الْكَرْب الْعَظِيم" أَيْ الْغَرَق وَتَكْذِيب قَوْمه لَهُ
{77} وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ "وَنَصَرْنَاهُ" مَنَعْنَاهُ "مِنْ الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا" الدَّالَّة عَلَى رِسَالَته أَنْ لَا يَصِلُوا إلَيْهِ بِسُوءٍ
{78} وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ "وَ" اذْكُر "دَاوُد وَسُلَيْمَان" أَيْ قِصَّتهمَا وَيُبْدَل مِنْهُمَا "إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْث" هُوَ زَرْع أَوْ كَرْم "إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَم الْقَوْم" أَيْ رَعَتْهُ لَيْلًا بِلَا رَاعٍ بِأَنْ انْفَلَتَتْ "وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ" فِيهِ اسْتِعْمَال ضَمِير الْجَمْع لِاثْنَيْنِ قَالَ دَاوُد : لِصَاحِبِ الْحَرْث رِقَاب الْغَنَم وَقَالَ سُلَيْمَان : يَنْتَفِع بِدَرِّهَا وَنَسْلهَا وَصُوفهَا إلَى أَنْ يَعُود الْحَرْث كَمَا كَانَ بِإِصْلَاحِ صَاحِبِهَا فَيَرُدّهَا إلَيْهِ
{79} فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ "فَفَهَّمْنَاهَا" أَيْ الْحُكُومَة "سُلَيْمَان" وَحُكْمهمَا بِاجْتِهَادٍ وَرَجَعَ دَاوُد إلَى سُلَيْمَان وَقِيلَ بِوَحْيٍ وَالثَّانِي نَاسِخ لِلْأَوَّلِ "وَكُلًّا" مِنْهُمَا "آتَيْنَا" ءَاتَيْنَاهُ "حُكْمًا" نُبُوَّة "وَعِلْمًا" بِأُمُورِ الدِّين "وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُد الْجِبَال يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْر" كَذَلِكَ سُخِّرَا لِلتَّسْبِيحِ مَعَهُ لِأَمْرِهِ بِهِ إذَا وَجَدَ فَتْرَة لِيَنْشَط لَهُ "وَكُنَّا فَاعِلِينَ" تَسْخِير تَسْبِيحهمَا مَعَهُ وَإِنْ كَانَ عَجَبًا عِنْدكُمْ : أَيْ مُجَاوَبَته لِلسَّيِّدِ دَاوُد
{80} وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ "وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَة لَبُوس" وَهِيَ الدِّرْع لِأَنَّهَا تُلْبَس وَهُوَ أَوَّل مَنْ صَنَعَهَا وَكَانَ قَبْلهَا صَفَائِح "لَكُمْ" فِي جُمْلَة النَّاس "لِتُحْصِنكُمْ" بِالنُّونِ لِلَّهِ وَبِالتَّحْتَانِيَّة لِدَاوُد وبِالْفَوْقَانِيَّةِ لِلَّبُوسِ "مِنْ بَأْسكُمْ" حَرْبكُمْ مَعَ أَعْدَائِكُمْ "فَهَلْ أَنْتُمْ" يَا أَهْل مَكَّة "شَاكِرُونَ" نِعَمِي بِتَصْدِيقِ الرَّسُول : أَيْ اُشْكُرُونِي بِذَلِكَ
{81} وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ "وَ" "لِسُلَيْمَان الرِّيح عَاصِفَة" وَفِي آيَة أُخْرَى رَخَاء أَيْ شَدِيدَة الْهُبُوب وَخَفِيفَته حَسَب إرَادَته "تَجْرِي بِأَمْرِهِ إلَى الْأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا" وَهِيَ الشَّام "وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْء عَالِمِينَ" مِنْ ذَلِكَ عَلِمَ اللَّه تَعَالَى بِأَنَّ مَا يُعْطِيهِ سُلَيْمَان يَدْعُوهُ إلَى الْخُضُوع لِرَبِّهِ فَفَعَلَهُ تَعَالَى عَلَى مُقْتَضَى عِلْمه00
{82} وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ "وَ" "مِنْ الشَّيَاطِين مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ" يَدْخُلُونَ فِي الْبَحْر فَيُخْرِجُونَ مِنْهُ الْجَوَاهِر لِسُلَيْمَان "وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُون ذَلِكَ" أَيْ سِوَى الْغَوْص مِنْ الْبِنَاء وَغَيْره "وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ" مِنْ أَنْ يُفْسِدُوا مَا عَمِلُوا لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا فَرَغُوا مِنْ عَمَل قَبْل اللَّيْل أَفْسَدُوهُ إنْ لَمْ يَشْتَغِلُوا بِغَيْرِهِ
{83} وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ "و" اُذْكُرْ "أَيُّوب" وَيُبْدَل مِنْهُ "إذْ نَادَى رَبّه" لَمَّا اُبْتُلِيَ بِفَقْدِ جَمِيع مَاله وَوَلَده وَتَمْزِيق جَسَده وَهَجْر جَمِيع النَّاس لَهُ إلَّا زَوْجَته سِنِينَ ثَلَاثًا أَوْ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيَ عَشْرَة وَضِيق عَيْشه "أَنِّي" بِفَتْحِ الْهَمْزَة بِتَقْدِيرِ الْيَاء "مَسَّنِيَ الضُّرّ" أَيْ الشِّدَّة
{84} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ" نِدَاءَهُ "فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرّ وَآتَيْنَاهُ أَهْله" أَوْلَاده الذُّكُور وَالْإِنَاث بِأَنْ أُحْيُوا لَهُ وَكُلّ مِنْ الصِّنْفَيْنِ ثَلَاث أَوْ سَبْع "وَمِثْلهمْ مَعَهُمْ" مِنْ زَوْجَته وَزِيدَ فِي شَبَابهَا وَكَانَ لَهُ أَنْدَر لِلْقَمْحِ وَأَنْدَر لِلشَّعِيرِ فَبَعَثَ اللَّه سَحَابَتَيْنِ أَفْرَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَر الْقَمْح الذَّهَب وَأَفْرَغَتْ الْأُخْرَى عَلَى أَنْدَر الشَّعِير الْوَرِق حَتَّى فَاضَ "رَحْمَة" مَفْعُول لَهُ "مِنْ عِنْدنَا" صِفَة "وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ" لِيَصْبِرُوا فَيُثَابُوا
{85} وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ "وَإِسْمَاعِيل وَإِدْرِيس وَذَا الْكِفْل كُلّ مِنْ الصَّابِرِينَ" عَلَى طَاعَة اللَّه وَعَنْ مَعَاصِيه
{86} وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ "وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتنَا" مِنْ النُّبُوَّة "إنَّهُمْ مِنْ الصَّالِحِينَ" لَهَا وَسُمِّيَ ذَا الْكِفْل لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِصِيَامِ جَمِيع نَهَاره وَقِيَام جَمِيع لَيْله وَأَنْ يَقْضِيَ بَيْن النَّاس وَلَا يَغْضَب فَوَفَّى بِذَلِكَ وَقِيلَ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا
{87} وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ "وَ" اُذْكُرْ "ذَا النُّون" صَاحِب الْحُوت وَهُوَ يُونُس بْن مَتَّى وَيُبْدَل مِنْهُ "إذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا" لِقَوْمِهِ أَيْ غَضْبَان عَلَيْهِمْ مِمَّا قَاسَى مِنْهُمْ وَلَمْ يُؤْذَن لَهُ فِي ذَلِكَ "فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ" أَيْ نَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا قَضَيْنَاهُ مِنْ حَبْسه فِي بَطْن الْحُوت أَوْ نُضَيِّق عَلَيْهِ بِذَلِكَ "فَنَادَى فِي الظُّلُمَات" ظُلْمَة اللَّيْل وَظُلْمَة الْبَحْر وَظُلْمَة بَطْن الْحُوت "أَنْ" أَيْ بِأَنْ "لَا إلَه إلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ" فِي ذَهَابِي مِنْ بَيْن قَوْمِي بِلَا إذْنٍ .
{88} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمّ" بِتِلْكَ الْكَلِمَات "وَكَذَلِكَ" كَمَا نَجَّيْنَاهُ "نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ" مِنْ كَرْبهمْ إذَا اسْتَغَاثُوا بِنَا دَاعِينَ
{89} وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ "وَ" اُذْكُرْ "زَكَرِيَّا" وَيُبْدَل مِنْهُ "إذْ نَادَى رَبّه" بِقَوْلِهِ "رَبّ لَا تَذَرنِي فَرْدًا" أَيْ بِلَا وَلَد يَرِثنِي "وَأَنْتَ خَيْر الْوَارِثِينَ" الْبَاقِي بَعْد فَنَاء خَلْقك
{90} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ" نِدَاءَهُ "وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى" وَلَدًا "وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجه" فَأَتَتْ بِالْوَلَدِ بَعْد عُقْمهَا "إنَّهُمْ" أَيْ مَ{91} وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ "وَ" اُذْكُرْ مَرْيَمَ "اَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجهَا" حَفِظَتْهُ مِنْ أَنْ يُنَال "فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحنَا" أَيْ جِبْرِيل حَيْثُ نَفَخَ فِي جَيْب دِرْعهَا فَحَمَلَتْ بِعِيسَى "وَجَعَلْنَاهَا وَابْنهَا آيَة لِلْعَالَمِينَ" الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة حَيْثُ وَلَدَتْهُ مِنْ غَيْر فَحْل
{92} إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ "إنَّ هَذِهِ" أَيْ مِلَّة الْإِسْلَام "أُمَّتكُمْ" دِينكُمْ أَيّهَا الْمُخَاطَبُونَ أَيْ يَجِب أَنْ تَكُونُوا عَلَيْهَا "أُمَّة وَاحِدَة" حَال لَازِمَة "وَأَنَا رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ" وَحِّدُونِ
{93} وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ "وَتَقَطَّعُوا" أَيْ بَعْض الْمُخَاطَبِينَ "أَمْرهمْ بَيْنهمْ" أَيْ تَفَرَّقُوا أَمْر دِينهمْ مُتَخَالِفِينَ فِيهِ وَهُمْ طَوَائِف الْيَهُود وَالنَّصَارَى "كُلّ إلَيْنَا رَاجِعُونَ" أَيْ فَنُجَازِيهِ بِعَمَلِهِ
{94} فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ "فَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤْمِن فَلَا كُفْرَان" أَيْ لَا جُحُود "لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ" بِأَنْ نَأْمُر الْحَفَظَة بِكَتْبِهِ فَنُجَازِيهِ عَلَيْهِ
{95} وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ "وَحَرَام عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا" أُرِيدَ أَهْلهَا "أَنَّهُمْ لَا" زَائِدَة "يَرْجِعُونَ" أَيْ مُمْتَنِع رُجُوعهمْ إلَى الدُّنْيَا
{96} حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ "حَتَّى" غَايَة لِامْتِنَاعِ رُجُوعهمْ "إذَا فُتِحَتْ" بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد "يَأْجُوج وَمَأْجُوج" بِالْهَمْزِ وَتَرْكه اسْمَانِ أَعْجَمِيَّانِ لِقَبِيلَتَيْنِ وَيُقَدَّر قَبْله مُضَاف أَيْ سَدّهمَا وَذَلِكَ قُرْب الْقِيَامَة "وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَب" مُرْتَفَع مِنْ الْأَرْض "يَنْسِلُونَ" يُسْرِعُونَ
{97} وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ "وَاقْتَرَبَ الْوَعْد الْحَقّ" أَيْ يَوْم الْقِيَامَة "فَإِذَا هِيَ" أَيْ الْقِصَّة "شَاخِصَة أَبْصَار الَّذِينَ كَفَرُوا" فِي ذَلِكَ الْيَوْم لِشِدَّتِهِ يَقُولُونَ "يَا" لِلتَّنْبِيهِ "وَيْلنَا" هَلَاكنَا "قَدْ كُنَّا" فِي الدُّنْيَا "فِي غَفْلَة مِنْ هَذَا" الْيَوْم "بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ" أَنْفُسنَا بِتَكْذِيبِنَا لِلرُّسُلِ
{98} إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ "إنَّكُمْ" يَا أَهْل مَكَّة "وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره مِنْ الْأَوْثَان "حَصَب جَهَنَّم" وَقُودهَا "أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ" دَاخِلُونَ فِيهَا
{99} لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ "لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ" الْأَوْثَان "آلِهَة" كَمَا زَعَمْتُمْ "مَا وَرَدُوهَا" دَخَلُوهَا "وَكُلّ" مِنْ الْعَابِدِينَ وَالْمَعْبُودِينَ
{100} لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ "لَهُمْ" لِلْعَابِدِينَ "فِيهَا زَفِير وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ" شَيْئًا لِشِدَّةِ غَلَيَانهَا وَنَزَلَ لَمَّا قَالَ ابْن الزِّبَعْرَى عَبْد عُزَيْر وَالْمَسِيح وَالْمَلَائِكَة فَهُمْ فِي النَّار عَلَى مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ
{101} إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ "إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا" الْمَنْزِلَة "الْحُسْنَى" وَمِنْهُمْ مَنْ ذُكِرَ
نْ ذُكِرَ مِنْ الْأَنْبِيَاء "كَانُوا يُسَارِعُونَ" يُبَادِرُونَ "فِي الْخَيْرَات" الطَّاعَات "وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا" فِي رَحْمَتنَا "وَرَهَبًا" مِنْ عَذَابنَا "وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" مُتَوَاضِعِينَ فِي عِبَادَتهمْ00
{102} لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ "لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسهَا" صَوْتهَا "وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسهمْ" مِنْ النَّعِيم
{103} لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ "لَا يُحْزِنهُمْ الْفَزَع الْأَكْبَر" وَهُوَ أَنْ يُؤْمَر بِالْعَبْدِ إلَى النَّار "وَتَتَلَقَّاهُمْ" تَسْتَقْبِلهُمْ "الْمَلَائِكَة" عِنْد خُرُوجهمْ مِنْ الْقُبُور يَقُولُونَ لَهُمْ "هَذَا يَوْمكُمْ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ" فِي الدُّنْيَا
{104} يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ "يَوْم" مَنْصُوب بِذُكِرَ مُقَدَّرًا قَبْله "نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلّ" اسْم مَلَك "لِلْكُتُبِ" صَحِيفَة ابْن آدَم عِنْد مَوْته وَاللَّام زَائِدَة أَوْ السِّجِلّ الصَّحِيفَة وَالْكِتَاب بِمَعْنَى الْمَكْتُوب وَاللَّام بِمَعْنَى عَلَى وَفِي قِرَاءَة لِلْكُتُبِ جَمْعًا "كَمَا بَدَأْنَا أَوَّل خَلْق" مِنْ عَدَم "نُعِيدهُ" بَعْد إعْدَامه فَالْكَاف مُتَعَلِّقَة بِنُعِيد وَضَمِيره عَائِد إلَى أَوَّل وَمَا مَصْدَرِيَّة "وَعْدًا عَلَيْنَا" مَنْصُوب بِوَعَدْنَا مُقَدَّرًا قَبْله وَهُوَ مُؤَكِّد لِمَضْمُونِ مَا قَبْله "إنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ" مَا وَعَدْنَاهُ
{105} وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور" بِمَعْنَى الْكِتَاب أَيْ كُتُب اللَّه الْمُنَزَّلَة "مِنْ بَعْد الذِّكْر" بِمَعْنَى أُمّ الْكِتَاب الَّذِي عِنْد اللَّه "أَنَّ الْأَرْض" أَرْض الْجَنَّة "يَرِثهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" عَام فِي كُلّ صَالِح
{106} إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ "إنَّ فِي هَذَا" الْقُرْآن "لَبَلَاغًا" كِفَايَة فِي دُخُول الْجَنَّة "لِقَوْمٍ عَابِدِينَ" عَامِلِينَ بِهِ
{107} وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ "وَمَا أَرْسَلْنَاك" يَا مُحَمَّد "إلَّا رَحْمَة" أَيْ لِلرَّحْمَةِ "لِلْعَالَمِينَ" الْإِنْس وَالْجِنّ بِك
{108} قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ "قُلْ إنَّمَا يُوحَى إلَيَّ أَنَّمَا إلَهكُمْ إلَه وَاحِد" أَيْ مَا يُوحَى إلَيَّ فِي أَمْر الْإِلَه إلَّا وَحْدَانِيّته "فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" مُنْقَادُونَ لِمَا يُوحَى إلَيَّ مِنْ وَحْدَانِيَّة الْإِلَه وَالِاسْتِفْهَام بِمَعْنَى الْأَمْر
{109} فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ "فَإِنْ تَوَلَّوْا" عَنْ ذَلِكَ "فَقُلْ آذَنْتُكُمْ" أَعْلَمْتُكُمْ بِالْحَرْبِ "عَلَى سَوَاء" حَال مِنْ الْفَاعِل وَالْمَفْعُول أَيْ مُسْتَوِينَ فِي عِلْمه لَا أَسْتَبِدّ بِهِ دُونكُمْ لِتَتَأَهَّبُوا "وَإِنْ" مَا "أَدْرِي أَقَرِيب أَمْ بَعِيد مَا تُوعَدُونَ" مِنْ الْعَذَاب أَوْ الْقِيَامَة الْمُشْتَمِلَة عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَعْلَمهُ اللَّه
{110} إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ "إنَّهُ" تَعَالَى "يَعْلَم الْجَهْر مِنْ الْقَوْل" وَالْفِعْل مِنْكُمْ وَمِنْ غَيْركُمْ "وَيَعْلَم مَا تَكْتُمُونَ" أَنْتُمْ وَغَيْركُمْ مِنْ السِّرّ
{111} وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ "وَإِنْ" مَا "أَدْرِي لَعَلَّهُ" أَيْ مَا أَعْلَمْتُكُمْ بِهِ وَلَمْ يُعْلَم وَقْته "فِتْنَة" اخْتِبَار "لَكُمْ" لِيُرَى كَيْفَ صُنْعكُمْ "وَمَتَاع" تَمَتُّع "إلَى حِين" أَيْ انْقِضَاء آجَالكُمْ وَهَذَا وَمُقَابِل لِلْأَوَّلِ الْمُتَرَجَّى بِلَعَلَّ وَلَيْسَ الثَّانِي مَحَلًّا لِلتَّرَجِّي
{112} قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ "قُلْ" وَفِي قِرَاءَة قَالَ "رَبّ اُحْكُمْ" بَيْنِي وَبَيْن مُكَذِّبِي "بِالْحَقِّ" بِالْعَذَابِ لَهُمْ أَوْ النَّصْر عَلَيْهِمْ فَعُذِّبُوا بِبَدْرٍ وَأُحُد وَحُنَيْن وَالْأَحْزَاب وَالْخَنْدَق وَنُصِرَ عَلَيْهِمْ "وَرَبّنَا الرَّحْمَن الْمُسْتَعَان عَلَى مَا تَصِفُونَ" مِنْ كَذِبكُمْ عَلَى اللَّه فِي قَوْلكُمْ "اتَّخَذَ وَلَدًا" وَعَلَيَّ فِي قَوْلكُمْ : سَاحِر وَعَلَى الْقُرْآن فِي قَوْلكُمْ شِعْر
|
|
|
| | | | | |