ولعلمائنا علينا حق ..}

.
.



لماذا أتحدث عن الأندلس .. ؟

لأني أردت أن أعرف [ ابن العــوام ] .. كان لابد لي من معرفة المكان الذي عاش فيه .. فـ الأندلس مكان آخر يختلف كثيرا كثيرا عما نعرفه نحن من بلاد الإسلام .. ,

ولهذا توجهت لـ قراءة كتاب د/ طارق السويدان " تاريخ الأندلس المصور " .. وجعلته مرجعا لي لأعيش بالأندلس قليلا ولو من بعيد .. حتى أستطيع أن أتصور كيف كانت الحياة هناك .. وعلى أي أساس نشأ [ ابن العــوام ] .. فـ هل بدأ من الصفر في علمه أم كانت هناك نهضة من قبله استمر في ظلها .. ؟ .. , وهل كانت بلاده حرة مزدهرة أم كانت محتلة جاهد لتعلم العلم حتى يحررها ... ؟؟

وحدث معي أن عشت فعلا في هذا العصر لـ عدة أيام أثناء قراءتي للكتاب .. شعرت فيها أني اقتربت كثيرا من شخصية [ ابن العــوام ] .. كيف نشأ وكيف عاش والديه وبالتالي كيف ربياه .. , وأتمنى أن أوصل لكم هذا الشعور خلال السطور التالية ...




,
بداية .. من هم الأندلسيين .. ؟

قبل دخول الإسلام كان سكان الأندلس هم قبائل همجية جاءت من ألمانية ( القوط ) أنشئوا فيها حضارة مظلمة .. ومع دخول الإسلام وفتحها دخل العرب والبربر إليها ضمن الجيش .. ثم جاء بعد ذلك من قدم بقية العالم الإسلامي ليسكنها بعد الفتح ..

ولأن .. معظم رجال الجيش لم يكونوا قد تزوجوا بعد .. تزوجوا بعد الفتح من نساء القوط .. فنشأ من هذا الزواج جيل جديد سماه بعض المؤرخون بـ المولدين أو المستعربين .. وقد كان من هؤلاء بعض العلماء المشهورين في الأندلس ...

كتاب تاريخ الأندلس المصور صـ 30 , صـ 59

,
متى عاش [ ابن العــوام ] .. ؟

لن نقدر أن نقول سوى .. القرن السادس الهجري .. تقريبا !


هناك من حدد سنة 580 هـ تاريخا لوفاته ..- وهو الزركلي في كتاب الأعلام -.. لكن هذا التاريخ لا يستند إلى أي دليل .. لكنه يعطينا احتمالين إذا ربطناه بما قيل قبل قليل عن أنه ربما ولد بعد عام 575 هـ ..

الأول أن يكون [ ابن العــوام ] مات وعمره 5 سنوات فقط وهذا غير معقول طبعا ..

والثاني أن يكون قد ولد قبل عام 575 هـ ثم اشتهر لـ 5 سنوات فقط من حياته كتب فيها كتاب الفلاحة وجمع فيها كل علمه .. وهذا أيضا غير معقول بالنسبة لي إذ أن ما تركه لنا من علم وما درسه من الكتب القديمة يحتاج لـ 10 سنوات على الأقل ..

وهناك احتمال ثالث يمكن إضافته لكنه ضعيف جدا .. وهو أن يكون [ ابن العــوام ] ليس من إشبيلية .. بل انتقل إليها في حدود هذه السنوات الخمس واشتهر فيها .. ولكن معرفته لأرضها والتجارب التي أجراها هناك وكتب عنها في كتابه تجعل هذا الاحتمال من أضعف ما يكون ...

وربما تكون هناك احتمالات أخرى تتعلق مثلا باختلاف بين العالمين أو شيء كـ هذا لكني لن أصدقها .. لأن هذا العلم الأندلسي المزدهر الذي أنار العالم لا يمكن أن يكون علماؤه في هذا المستوى المتدني من العلاقات الإنسانية ...


وبرغم ذلك يرجح من درس كتاب الفلاحة لـ [ ابن العــوام ] أنه عاش في القرن السادس الهجري لأن أسلوبه في الكتابة أقرب للقرن السادس الهجري منه للقرن السابع .. , وأيضا لا يمكن أن يكون من أصحاب القرن الخامس الهجري لأنه اعتمد في علمه على علماء هذا القرن ويتضح من كتابته أنهم سبقوه ولم يعيشوا في نفس زمنه ...




,
أين عاش .. ؟

في إشبيلية بـ حي الشرف ..

ذكر [ ابن العــوام ] حي الشرف كثيرا في كتابه وكذلك جبل الشرف الذي كان يقيم فيه تجاربه الزراعية .. , إذن نقدر أنه عاش في إشبيلية .. ولد فيها وعاش حياته أو على الأقل أصبحت موطنا له إذ يذكرها كثيرا ويقدمها على غيرها من المناطق عندما يتحدث عن الأراضي وتقسيمها وصلاحها للزراعة .. أي هي أرض عرفها جيدا وعاش فيها سنوات ...

أغنى بقاع اشبيلية الإسلامية. فبسائطها
الحمراء الخصبة كانت مرتادا لأرستقراطيي اشبيلية الذين أقاموا فيها
المنيات والمنتزهات. ارتسمت ملامح الشرف في العهد الإسلامي وترك
الموحدون فيها آثارا قيمة قبل أن يتقاسمها النصارى.

من أحد المنتديات ...

من غربي إشبيلية بالأندلس، وهو جبل شريف البقعة، كريم التربة، دائم الخضرة، فراسخ في فراسخ طولاً وعرضاً، لا تكاد تشمس منه بقعة لا لتفاف زيتونه، واشتباك غصونه، وزيته من أطيب الزيوت، كثير الريع عند العصر، لا يتغير على طول الدهر، ومن هناك يتجهز به إلى الآفاق براً وبحراً؛ وكل ما استودع أرض إشبيلية وغرس في تربتها نما وزكا وفضل وجل.
ويقال إن في الشرف ثمانية آلاف قرية عامرة، وديارها حسنة، وبين الشرف وبين إشبيلية ثلاثة أميال، وسمي بذلك لأنه مشرف على ناحية إشبيلية، ممتد من الجنوب إلى الشمال، وهو كله تراب أحمر، وشجر الزيتون فيه من هذا المكان إلى قنطرة لبلة.
المصدر

,
كيف كانت الأندلس في هذا الوقت .. ؟

..- لأجيب هنا سـ أفترض أن من يقرأ لا يعرف عن الأندلس أي شيء لكني سـ أختصر -..
..- كما سـ أضع خرائط متحركة من موقع قصة الإسلام للتوضيح -..



في القرن الرابع الهجري ..

خريطة الدولة العامرية ..

بعد مجد وعزة ونهضة في جميع المجالات الزراعية والعلمية والحربية والصناعية .. إذ كانت الأندلس عاصمة الحضارة في العالم كله وقبلة العلماء والتجار والسياسيين والسفراء ..

وأيضا كانت الأندلس تحتل في هذا الوقت أكبر مساحة ونفوذ مرا عليها في تاريخها .. ,



,
في القرن الخامس الهجري ..

خريطة ملوك الطوائف ..

تفرق الحكم بين ملوك الطوائف دويلة بعد أخرى منذ عام 400 هـ وحتى عام 438 هـ .. حتى أن إشبيلية ..- مدينة [ ابن العــوام ] -.. جعل حاكمها جزية للنصارى ليحمونه من قوى قرطبة التي كانت العاصمة ومركز ما يسمى بالخلافة وقتها .. !

وبعد ذلك بدؤوا بالصراع فيما بينهم والاعتداء على بعضهم .. , وبالتالي بدأ النصارى لأول مرة بعد الفتح في احتلال الأندلس جزء بـ جزء .. واحتل الفرنسيون مع النورمان ( الفايكنج ) مدينة اسمها بربشتر بمذبحة رهيبة قُتل فيها ما يقارب الـ 100 ألف من المسلمين وانتهكت الحرمات ووزعت فتياتها المسلمات هدايا لملوك النصارى دون أن يهب إليها أحد من بقية دويلات الأندلس .. ,

حتى أن عام 478 هـ سقطت طليطلة وتحولت مساجدها إلى كنائس بعد إعطاء الأمان لأهلها .. أهلها الذين عندما جاؤوا ليفتحوها لم يمسوا كنيسة .. وسقط بعدها مدن أخرى أيضا تحولت مساجدها لكنائس ...


باختصار ..
كان هذا الوقت أسوأ حتى مما نحن فيه الآن .. ,
لكنه كان وقت ازدهار لـ علم الفلاحة لأن كل أمير منهم كان يهتم بحدائق منزله ويحيطه بأجمل المزروعات ويجلب لها العلماء لرعايتها وتحسينها وربما إجراء التجارب لتطويرها .. لدرجة أن انتقل هذا الولع بالحدائق إلى ملوك النصارى أنفسهم ! .. , ولأن الأندلس أصلا كانت تعتمد في اقتصادها أساسا على الزراعة والصناعات الغذائية ...

وهذا الوقت هو الوقت الذي عاش فيه معلمو [ ابن العــوام ] الذين ذكرهم بأول كتابه حيث أخذ عنهم علمه واستدل بخبراتهم وتجاربهم ...

ألم أقل لكم أن هذه الأرض تختلف عنا .. , ففيها هزائم واحتلال وفرقة لكن فيها ازدهار أيضا .. في نفس الوقت ..



خريطة نهاية ملوك الطوائف ..

إلى أن بدأت دولة المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين بإنقاذ الأندلس من عدوان النصارى وتوحيد الأندلس في نهايات هذا القرن .. , وما يهمنا هنا هي إشبيلية التي انضمت للمرابطين عام 484 هـ لأن شعبها رفض امتناع حاكمها عن الانضمام فـ أجبروه عليه ..

إذن يرجح أن هذا الوقت عاش فيه والدي [ ابن العــوام ] .. ويبدو من تاريخ مدينتهم أنهم كانوا شجعان لا يخافون من فرض كلمة الحق حتى على من حكمهم ...