الخنساء (رضى الله عنه ) وجهادها

هى تماضر بنت عمرو بن الشريد بنى رباح بن ثعلبه بن
سليم السلميه , الشاعرة المشهورة من اهل نجد , عاشت
معظم حياتهم فى الجاهليه , ثم ادركت الاسلام , وقدمت مع
قومها من بنى سليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت وبايعت
وقد ذكر أن النبى صلى اللهعليه وسلم كان يستشهدها الشعر فيعجبه
شعرها فكانت تنشده , وهو يقول لها ,(هيه يا خناس)
ويومئ بيده وقد أجمع أهل العلم بالشعر أنه لم تكن هناك
امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها . وقد كان شعرها غزيرآً
فى أخويها صخر ومعاوية , وكانت قبل مقتل أخويها (تقول
البيتين أو الثلاثه)فلما قتلا انهمرشعرها غزيرآً حتى إنها
كانت تحضر الموسم فى عكاظ وتقرض الشعر فى أخويها
وقد ذكر ان جريرآً الشاعر المشهور حينما سئل عن أشعر
الناس قال : أنا لولا هذه الخبيثه يعنى الخنساء , كما أن
بشار بن برد قال عنها مقيمآً شعرها : تلك فوق الرجال .
هذا وقد كانت الخسناء على قدر كبير من الجمال , خطبها
دريد بن الصمه , حينما رآها وأعجب بجمالها , ولكنها
رفضت وتزوجت من ابن عمها رواحة بن عبد العزيز
السلمى , فأنجبت عبد الله , ثم تزوجت بعده من مرداس
ابن أبى عامر من بنى بهشة بن سليم , فأنجبت له هبيرة
ومعاوية وجزءا , وعمرة, وقد كانت هى وأولادها جميعاً
شعراء وعلى قدر كبير من البلاغة , ولا غرو فقد كان العرب ,
والعربيات شعراء بالسليقة . .
وقد انشدت النابغة الذبيانى , قال لها :لولا أن أبا بصير
- يعنى : الأعشى - وحسان بن ثابت أنشدانى أننفًا لقلت :أنى
لم أسمع مثل شعرك , ولكن والله ما رأيت ذا مثانة قط أشعر
منك .
قد كانت تحضر موسم عكاظ , وتسوم هودجها فى الموسم
وتعاظم العرب بمصيبتها بأبيها وأخويها , وتقول :انا أعظم
العرب مصيبه حتى إذا كانت وقعة بدر وقتل عتبة وشبية أبناء
ربيعة والوليد بن عتبة , فأقبلت هند بنت عتبه ترثيهم وبلغها
ذلك فقالت : انا اعظم العرب مصيبه وأمرت بحملها أن يقرن
بحمل الخنساء بسوق عكاظ , فلما تعارفتا أنشدت كل منهما
الشعر فى الرثاء فقالت هند :
أبكى عميد الأبطحين كليهما .
وما نعها من كلً باغ يريدها
أبى عتبة الخيرات ويحك فاعلمى .
وشيبه والحامى الذمار وليدها
أولئك آل المجد من كل آل غالب .
وفى العزّ منها حين يُنمى عديدها
فقالت الخسناء تجيبها : .
أبكى أبى عمرآً بعين غزيرة .
قليل إن نام الخلى ُّ هجودُها
وضوى لا أنسى معاوية الذى .
لـه من سراة الحـرّية وفودها
وصخرآً من ذا مثل صخر إذا غدا .
بساحته الأبطال وقزم يقودها
فذلك يا هند الرزبة فاعلمى .
ونيرانُ حرب حين شُبّ وقودها
هذا وقد وضعها محمد بن سلام الجمحى فى طبقات
الشعراء فى طبقة أصحاب المراثى وأورد لها شعرا فى
أخويها صخر ومعاوية . .
وبالأضافة إلى شعرها الفصيح كانت لها أقوال بليغة تردّ
على من يسألها فى بعض المواقف . من ذلك ما ذكره ابن عيد
ربه فى (العقد الفريد ج3 ص267) فقد ذكر أنه , قيل
للخنساء : صفى لنا أخويك صخرآً ومعاوية . قالت :كان صخر
والله جنة الزمان الاغبر, وزعاف الخميس الأحمر , وكان
والله معاوية القائل والفاعل . قيل لها : فأيهما كان أسن
وأفخر ؟ وقالت أما صخر فحر الشتاء , وأما معاوية فبرد
الهواء فقيل لها : فأيهما أوجع وأفجع ؟ قالت : أما صخر
فجمر الكبد , وأما معاوية فسقام الجسد ثم أنشدت :
أسدان مُحمّر المخالب نجدة .
بحران فى الزمن والغضُوب الأنمر
قمران فى النادى رفيعا محتد .
فى المجد فرعًا سؤددمتخيرً
ومن رثائها لأخيها صخر .
وإن صخراً لمولانا وسيدنا .
وإن صخراً إذا نشتد لنمّار
أشم أبلح يأتم الهداة به .
كأنه علم فى رأسه نار
(بلاغات النساء لطيفور ص268 , ذو الإصابه ترجمة
الخنساء) .
ولها أشعار أخرى كثيرة لصخر ولمعاوية ولزوجها مرداس
ابن ابى عامر . .
هذا, وبعد إسلامها كانت تفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويستمع إلى شعرها - كما ذكرنا سابقاً - وقد قابلت
الخنساء عمربن الخطاب رضىالله عنه فدار الحوار التالى بينها ,
فقد روى الاصمعى قال : نظر عمر بن الخطاب إلى
الخنساء وبها ندوب فى وجهها فقال : ما هذه الندوب يا
خنساء ؟ قالت :من طول البكاء على أخوى ,قال لها :أخواك
فى النار ؛قالت : ذلك أطول لحزنى عليهما إنى كنت أشفق
عليهما من النار وأنا اليوم أبكى لهما من النار , ثم أنشدت :
وقائلة والنعش قد فات خطوها .
لتدركه : يالهف نفسى على صخر
ألا ثكلت أم الذين غدوا به .
إلى القبر ماذا يحملون إلى القبر
(العقد الفريد ج3 ص265 ,ص266). .
كما دار حوار بين أم الؤمنين عائشة رضى الله عنها
والخنساء , فذكر أنها دخلت على عائشة رضى الله عنها
وعليها صدار من شعر قد استشعرته إلى جلدها فقالت لها :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جمعت الخنساء بين الجهاد فى سبيل
الله وبين البلاغة العالية فى تحفييرً
ابنائها على الاستشهاد فى سبيل الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
ما هذا يا خنساء ؟ فو الله لقد توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فما
لبسته , قالت : ان له معنى دعانى إلى لباسه ,وذلك أن أبى
زوجنى سيد قومه وكان رجلاً متلافاً فأسرف فى ماله حتى
انفده , ثم رجع فى مالى فانفده أيضاً , ثم ألتفت إلى فقال :
إلى أين يا خنساء ؟ قلت : إلى أخى صخر . قالت : فأتيناه ,
فقسم ماله شطرين , ثم خيرناً فى أحسن الشطرين فرجعنا
من عنده , فلم يزل زوجى حتى أذهب جمعية , ثم ألتفت إلى ,
فقال لى : الى أين يا خنساء ؟ قلت : أخى صخر قالت :
فرحلنا إليه ثم قسم ماله شطرين وخيرنا فى أفضل
الشطرين فقالت له زوجتة : أما ترضى أن تشاطرهم مالك
حتى تخيرهم بين الشطرين ؟ فقال :
والله لا أمنحها شرارها .
فلو هلكت قددت خمارها
واتخذت من شعرصدارها .
وهى حصان قد كفتنى عارها
فاّليت لا يفارق الصدار جسدى ما بقيت (العقد
الفريد ج3 ص266 ,267) .
ومن أشعارها فى أخيها معاوية قالت : .
أبعد بن عمرو من آل الشريد .
حــــلت بــه الأرض أثقــــالها
ســــــــأحمل نــفــسى على آله .
فإما عليها وإما لها
أما بعد إسلامها فقد كان لها موقف عظيم فى القادسيه
(عام 16هـ)ففيها جمعت بين الجهاد فى سبيل الله بكل ما
تملك وبين البلاغة الغالية فى تحفيز أبنائها الأربعة على
الدفاع عن حظيرة الدين وإعلاء كلمه الحق والتوحيد
والاستشهاد فى سبيل اللهتعالى , فقالت لهم حينما حضرت
معهم القادسيه من الليل. .
يابنى إنكم أسلمتم طائعين , وهاجرتم مختارين , والله
الذى لا إله غيره إنكم لبنو رجل واحد , كما أنكم بنو امرأة
واحدة ما خنت أباكم , ولا فضحت حالكم , ولا هجنت
حسبكم , ولا غيرت نسبكم , واعملوا أن الدار الباقية خير من
الدار الفانية , يقول الله تعالى : {يا ايها الذين امنوا
اصيروا وصابروا ورابطوا واتقواالله لعلكم
تفلحون} (سورة آل عمران الآية : 200)فإن أصبحتم غدآً
إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتل عدوكم مستبرين
وبالله على أعدائه مستبصرين فإذا رأيتم الحرب قد
شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها , وجللت , نارآً
على اوراقها , فتيمموا وطيسها , وجالدوا رئيسها عند احتدام
خميسها تظفروا بالغنم والكرامه فى دار الخلد والمقامه .
هذا وقد ذكر أن الخنساء حينما شهدت حرب القادسية
قالت : .
دل علــى مــعرفة وجـــهه .
بــورك هذا هاديًا من دلــيل
تحسبه غضبان مهدر عزة .
ذلك منه خلق مـــــــا يحـــول
ويلمــــه مسـعـر حـــرب إذا .
ألقى فـيـهـا او عليـــه الشليل
وقالت : .
يهين النفـــوس وهـــون النفــــوس .
غـــداة الكريــــــهة أبقى لها
ترتع مـــا أغـــفلت حــــتى إذا ذكــرت .
فـــــإنما هــى إقـــــــــبــــال وإدبار
فخرج بنوها قابلين لتصميمها , عازمين على قولها فلما
أسفر الصبح وأضاء لهم , باكروا مراكزهم وأخذ أولهم يقول
يا أخوتى إن العجوز الناجـــحــة .
قـــد نصـــحتنا إذا دعـــتته البــارحة
مـــقـــالة ذات بيـــــــــان واضحة .
فــباكروا الحـــرب الضروس الكالحة
وإنما تلقــــون عنـــد الصــــائحة .
من آل ســـاســـان الكلاب النابحـــة
قــــد أيقنوا منكم بوقع الجــــائحـــة .
وأنتم بين حــيــاة صــــالحـــــة
ميتـــــة تورث غنمــــا رابحـــه .
ثم تقدم حتى استشهد , ثم حمل الثانى مقدماً على
الحرب , وهو يقول : .
إن الــــعـــجوز ذات حــــزم وجــلد .
والنظر الأوفق والــرأى الســــــدد
وقــد أمــــرتنا بالســـداد والرشــــد .
نصــــيـــحة منهـــــــا ويرآً بالولد
فــبـاكـروا الحــرب حمــادة فى العــدد .
إمــــــــــا الفــــــــوز بارد على الكبـــد
أو مـــيـــتة تورثكم عــــز الأبد .
فى جنة الفــــردوس والعـــيش الرغـــد
ثم قاتل حتى استشهد. .
ثم قام الثالث فحمل سلاحه وهو يقول : .
والله لا نعـــصى للعــجــوز حــرفًــا .
وقــــد أمــرتنا حــدباً وعطفًـــــا
نصــــحًــا وبراً صــادقٌـــا ولطفٌــــا .
فــبــادروا الحـــرب الضـــروس زحفٌاً
حـــتى تلفُّــــوا آل كســـرى لفـــا .
أو تكشــفوهــم عن حــمــاكم كـشـفٌــا
إنا نرى التــقصــيــر منكم ضــعفًــا .
والنقـــــل فــــيكم نجـــــــدة وزلفى
ثم قاتل حتى استشهد . فحمل الرابع سلاحه وهو يقول :
لست لخنســــــــاء ولا لــلأخـــرم .
ولا لعـــــــــمر وذى السناء الأقــــدم
إن لــم أرد فى الجيش جيش الأعجم .
مــاضى على الهــول خصم خضرم
إمـــا لفـــــوز عــــــاجل ومـــــغنم .
أو لوفــــاة فى الســبــيــل الأكـــرم
ثم قاتل حتى استشهد (رضىالله عنهم جميعآً) فلما
استشهدوا قالت الحمد لله الذى شرفنى بمقتلهم حين بلغها\
استشهادهم فدعت - كما ذكرنا سابقآً - بالدعاء أن يجعلها
الله وإياهم من مستقر رحمته راضية مرضية , مما يدل على
إيمانها العميق ورغبتها فى الجهاد بنفسها وأولادها حتى
آخررمق فى حياتها .
كذلك يدل على علو بلاغتها وبلاغة أولادها , فالشعر
موهبة من الله جل وعلا قد تكون فى الأبناء , كما كانت
ابنتها : عمرة بنت مرداس بن أبى عامر السلمى شاعرة ,ولا
غرو فقد كانت المرأة العربية بليغة شاعرة بالسليقة الطبيعة
حتى ذكر أن الخنساء أولادها كلهم شعراء وأن الخنساء لم
تلد إلأ شاعرآً . .
وكان عمر بن الخطاب رضى اللهعنه يعطيها أرزاق أولادها
الأربعة حتى قبض .