الله يحييك معنآ هـنـا


 
العودة   منتديات قصايد ليل > ..✿【 مـآذآ يـدور حولـﮯ 】✿.. > …»●[مثاليــة أفلاطــون للمجتمـع الواحد]●«…
 

…»●[مثاليــة أفلاطــون للمجتمـع الواحد]●«… { .. المجتمع احواله كل مايدور حولنا .. }

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-29-2018   #1
 
الصورة الرمزية ضامية الشوق
 

افتراضي الصمت

لغة تتكلَّم من غير كلام، تؤثِّر من غير أصوات، تُناجي من غير أثيرٍ، تنادي من غير ضجيج، تَلِج الأعماق، تُحاكي الصدور، تُعبِّر عما يجول في العيون، تَصرخ بكلِّ هدوء.

من غير بذل أيِّ جُهد من شخوص الوجود.

تُرى ما هي؟ أصُراخ الأكباد؟ أم اصطفاف النبضات؟ أم زئير الأنفاس؟

أم هدير سَريان الدماء؟
محاكاة أرواح، مناجاة قلوب، مبادلة نظرات.

نحيب بنحيب، وأنين بأنين، وضياع بضياع، نعم إنه الصمت.

لغة إن أحْكَمت النفاذ، فلن تُحكم الاختراق.

وإن استطاعت الولوج، فلن تُجيد الخروج.

عباد توارَثوه صنعة، وتبادَلوه بضاعة، واحْتَسوا كأسه خِلسة؛ عَلَّه يبثُّ كلمة، بعيدة قريبة، مُمتلئة مجوفة، صاخبة ساكنة، ساخنة باردة.

أنداد اتَّخذوه سلعةً، يحلون من خلاله مُعضلة، أو يُحَجِّمون مشكلة.

أحباب جعَلوه واسطة، فأدَاروا فيما بينهم نظرة.

ما أن تروح وتَجيء، حتى تكون حرقة، قد سبَّبت رُبَّما أزمة.

صمت ويا له من صمتٍ؛ يكتنف جوانحي، يُداعب أفئدتي، يُناجي آهاتي، يحاكي زفراتي، مُتَّخذًا الشاعر مانع سعيد العتيبة مُعبِّرًا عن حقيقته:

لا يَصْمُتُ إِلاَّ مُقْتَدِرُ
إِنْ حَلَّ بِسَاحَتِهِ الْقَدَرُ

وَيُهَدْهِدُ بِالْبَسْمَةِ دَمْعًا
مِنْ عَيْنَيْ قَلْبٍ يَنْحَدِرُ

يَحْمَدُ خَالِقَهُ فِي ثِقَةٍ
مَا زَحْزَحَهُ عَنْهَا الْكَدَرُ


تغيب العبارات في لُججه، وتتضخَّم المعاني أمام غموضه، ويَغرق الرائي بين طيَّات أمواجه، ويَذوب الداعي في سرادقات هدوئه.

فلا تكاد تسمع إلاَّ صمتًا، ولا تَنطق شَفَتاك إلاَّ حرفًا، مَفاده أن كُفَّ، فيَعتلي حرف الصاد المزيَّن تاجَ كلامك، ويتصدَّر بريق شعورك؛ ليقول: "فقط" أمام الكم الهائل من الآخر، وأن "هيا" مع نفسك، فهي لن تذهب عنك، ولن تذهب عنها!

فأنتما معًا إلى الأبد.

لكن كيف؟! ومتى؟! وأين؟!
هنا تتربَّع الأدوات ملتحمة مع بعضها؛ علَّها تبثُّ ضجيج نفس قد طال خموده، وتُثير شعورًا داخلاً قد امتدَّ إحساسه.

فتنضمُّ الأجوبة وتتَّحد مع بعضها البعض؛ لتصل إلى مركز هو المعني برسم تلك الدائرة التي ما تَنفك تبدأ حتى تنتهي، وما تَنفك تنتهي حتى تبدأ.

أهازيج رُوح لا تدري، ولست إخال أدري، أستدري؟!
أصوات نفس تهذي، أنين جسد يبكي.

سابقًا كنت أتَّخذ الكلام وسيلة للتعبير عما يجول في خاطري؛ لبثِّ ما يُحرِّك وجداني، لتخفيف عبء صدمة قد حاكَت ضميري، لردِّ كلمة قد جَرحت أشجاني، لإغلاق باب حرف قد زلْزَل كِياني.

لكن وبعد أن عَلِمت أذى سهام الكلام، وكيف أنه وسيلة مُزدوجة المَضرة، تحوَّلت عنه إلى صنعة أقل تَكلفة، وأكثر فائدة، وأقوى أزرًا، وأشد شَكيمة، وأحلى حديثًا، وأطيب ملاذًا، وأذكى رائحة، وأبهى حُلَّة.

وحسبُنا قول فاروق جويدة:
تغيَّر كلُّ ما فينا، تغيَّرنا.
وأعْجَبُ من حكايتنا، تَكَسَّر نَبْضُها فينا.
كُهوفُ الصَّمت تَجمعنا، دُروبُ الخوف تُلقِينا.

صنعة ما أن تُجَرِّبها حتى تتمرَّس بها، فتُتقنها وتَحتسبها رصيدًا لك تجده في المآزق، وتَختبئ وراءه عند المحك، وتُحوِّره عند الحاجة، دون أيِّ تبرير أو تزوير هو هو لأن ثُلَّة مَن يُتقن لغته، ومَن يَستوعب وقته، ومَن يتفنَّن في فَهمه، فتبقى أنت الآمر الناهي، العالم الجاهل، المتكلم الصامت، الثائر الهادئ، وحدك المُتقن لهذا الوضع.

فتُؤْثِر التمسُّك بهذه العادة؛ لتحقِّق أقلَّ ما يُمكن من خسائر؟ مستحضرًا قول السباعي: "العادة تبدأ سخيفة، ثم تُصبح مألوفة، ثم تغدو معبودة".

لكن، هل نُضَحِّي بأنفسنا في سبيل غيرنا؟
قانون حياتي يقتضي النجاة لأيٍّ منَّا؛ إمَّا أنا، وإمَّا أنت، إما نحن، وإما أنتم، ورُبَّما هم.

لكن آلصمت واحد، أم مختلف من شأن لشأن؟ تطبيقًا لقولهم:
كنت أحبُّه في صمتٍ، وكان يرفضني في صمت، فنطَق صمتي يومًا، ففضَحني، وقد نطقَ صمته يومًا، فقتَلني.

الصمت صمت صَعِد أم نزَل، خرَج أم دخَل، ظهَر أم اختَفى، فَرِح أم حَزِن، ومكنوناتكم النفسية كفيلة في فَهم أبعاده، فهو مترجم لعدة لغات؛ يَملك الصلاحية لتأويل أيِّ شيءٍ برموزٍ لا يَفقهها إلاَّ لبيبٌ حاذق واعٍ، ماهرٌ فَطِنٌ، ويُساندنا قول أحلام مستغانمي: "تعلَّموا أن تُميِّزوا بين صمت الكبار والصمت الكبير، فصمتُ الكبار يُقاس بوَقْعه، والصمت الكبير بمُدَّته".

والسؤال الذي يطرح نفسه: متى نلجأ إلى هذه اللغة؟
أعندما تتزاحم الأمور؟ أم عندما تتآزَر الهموم؟ أم عندما تصيح الكروب؟ أم عندما نصل إلى أوْجِ الشعور، فنجد أنفسنا في قمة القمة، متجاهلين سببَ وجودنا، متناسين صحوة عقولنا، غارقين في خِضَم إيقاع قلوبنا، مُتبحِّرين في سكرة تفكيرنا، مُنتشين خمرة كلمة أُلْصِقت في أفكارنا، مُستحضرين إيماءات إنسان لطالَما حُفِرت في أفلاذنا، كاشفين ذبذبات أوْرِدة اختَلَجت مع أكبادنا، ففَضَحت مكنوناتنا بعد أن تحرَّكت نبضاتنا، وبدأَت تروي علينا قصَّتنا، تلك التي نحن أهم شخوصها، والتي كنا محور حديثها، ومبدأ جوهرها، وعنصر بدايتها، ومنتهى خاتمتها، ومختصر روايتها؟!

هم، هم، ونحن أمامهم؟ هم شيء ونحن شيء في هذا الشيء، أو رُبَّما لا شيء في هذا الشيء، ذوبان شمعة، وانخماد نار، وانطفاء نور، وذبول وردة، وانغلاق باب، ألا يضطرُّنا كلُّ ذلك إلى الصمت؟

وفي الختام:
لا يَسعنا إلاَّ أن نقول: إننا نحتاج لهدوء رغم أن ما حولنا مُشبع بصمت يُشبه الموت، بيد أنه ثَمَّة شيء حولنا لا يَهدأ.

وهذه الحركة لا بدَّ أن تترجمَ مع الأثير؛ ليَطيبَ لها الوصل مع وَقْع الفؤاد، لتعتلي صَهوة الأفكار، لتعانق تعجُّبات الأرواح، لتُواجه ضروبَ كلامٍ شتَّى، لتُزيل عبء ترنيمات الصدى، لتتشخَّص في قالب الوَرى، فترتقي مع طيَّات الفضا، لتُبحر مع قطرات الندى، علَّها تصلُ بصاحبها إلى ما يسمى بالهدى.

الصَّمْتُ أَزْيَنُ بِالْفَتَى
مِنْ مَنْطِقٍ فِي غَيْرِ حِينِهْ

وَالصِّدْقُ أَجْمَلُ بِالْفَتَى
فِي الْقَوْلِ عِنْدِي مِنْ يَمِينِهْ



الموضوع الأصلي : الصمت || الكاتب : ضامية الشوق || المصدر : منتديات قصايد ليل

 

التوقيع:



مشكوره قلبي ضوى الليل على تصميم مميز ربي يسعدك يارب

  رد مع اقتباس
قديم 09-29-2018   #2
 
الصورة الرمزية نجم أبو أحمد
 

افتراضي

رووووعه
الله يعطيك العاافيه على
اختياارك الذوووق للموضووووع


التوقيع:


  رد مع اقتباس
قديم 09-29-2018   #3
 
الصورة الرمزية ملكة الجوري
 

افتراضي

يُعَطِّيگ الْعَافِيَةُ لِرَوْعَةِ الطَّرْحِ،،
تَعَطَّرَتْ زَوَايَا الْمُنْتَدَى بگ
تَقْديرُ يليق بگ وُدِيَ وَعَبِقُ وردَيْ


التوقيع:



  رد مع اقتباس
قديم 09-29-2018   #4
https://www.arabsharing.com/do.php?img=332637
 
الصورة الرمزية دلع
 

افتراضي

يعطيك العافيه لا عدمنا هالتميز والابداع ...


التوقيع:


  رد مع اقتباس
قديم 09-29-2018   #5
 
الصورة الرمزية أبو إبتهال
 

افتراضي

ماشاء الله تبارك الرحمن
ذوق في اختيارك
وعافيه عليك وعلى الطرح الراقي
لاحرمك الله رضاه
‏لك كل
تقديري واحترامي
مجنون قصآيد


التوقيع:




  رد مع اقتباس
قديم 09-30-2018   #6
 
الصورة الرمزية طهر الغيم
 

افتراضي

سلمت يمنآكـ على مآحملتهـ لنآ
موضوع عآلي بذوقهـ ,, رفيع بشآنه
مودتي


التوقيع:
  رد مع اقتباس
قديم 09-30-2018   #7
 
الصورة الرمزية كـــآدي
 

افتراضي

طرح جميل
عوافي


التوقيع:




القلب يميل لـ من يجتهد في احتضانـه
واستيعابـه ، واحتـواءه ، يميل لمن يصارع
العالـم لأجلـه ، من يشتاقه بلا سـبب
ويأتيـه بلا سـبب ، من يبقى بجواره للأبد
  رد مع اقتباس
قديم 09-30-2018   #8
 
الصورة الرمزية الغنــــــد
 

افتراضي

مجهووود جميل ورااقي

ما أجملك وما أجمل ماشاااهدنا

سعدت بمصااافحتك هوووووون

يعطيك العااافيه

شاكره لك


  رد مع اقتباس
قديم 09-30-2018   #9
 
الصورة الرمزية ضامية الشوق
 

افتراضي

حضورك شرف لي
نورت أخي الكريم
نجم الجدي


التوقيع:



مشكوره قلبي ضوى الليل على تصميم مميز ربي يسعدك يارب

  رد مع اقتباس
قديم 09-30-2018   #10
 
الصورة الرمزية ضامية الشوق
 

افتراضي

حضوركي شرف لي
نورتي عزيزتي
ملاك


التوقيع:



مشكوره قلبي ضوى الليل على تصميم مميز ربي يسعدك يارب

  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الصمت


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فوائد الصمت ضحكة خجوله …»●[مثاليــة أفلاطــون للمجتمـع الواحد]●«… 9 03-29-2009 01:38 PM
الم الصمت اليتيمة …»●[الاختلاف في الرأي لايفسدللود قضيه]●«… 10 02-02-2009 10:55 PM
الحكم بن أبي الصلت .. نادر الوجود …»●[دواويــن الشعــراء والشاعرات المقرؤهـ المسموعهــ]●«… 0 01-28-2009 09:49 PM
سألتزم الصمت...................إهداء الى حسونه سواآالفي دلع قصـايد ليل للخواطر المنقولة 8 11-22-2008 01:51 AM
::اصمت ثم اصمت ولكن اياك أن تسكت:: آســـئله …»●[مثاليــة أفلاطــون للمجتمـع الواحد]●«… 8 11-03-2008 12:23 AM

Loading...


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية