هل حَلُمت يومًا بارتداء ملابس تُشبه ملابس الأبطال الخارقين؟ هل فكرت في أنك قد تتفاعل مع محيطك بفضل الملابس التي ترتديها؟ ماذا عن ارتداء ملابس عصرية بمواصفات من المستقبل، وإمكانيات لا نراها سوى في أفلام الخيال العلمي؟ أصبحنا أقرب لتحقيق هذه الأمور أكثر من أي وقتٍ مضى بفضل التآزر الحاصل بين التكنولوجيا وعالم الموضة، الذي أنتج لنا ما يُسمى بـ"المنسوجات الإلكترونية E-textiles"، والحقيقة التي قد تكون صادمة للبعض أننا توصلنا بالفعل إلى الكثير هذه الأشياء ودليل ذلك سنُضمّنه في مقالنا اليوم.

ما هي المنسوجات الإلكترونية؟
تخيل ألا تنحصر وظيفة الملابس في الكساء والدفاء؛ أن ترى قمصانًا تراقب صحتك، سترات تشحن أجهزتك، جلاليب تُخزّن بياناتك! هذا -ببساطة شديدة- ما يُسمى بـ"المنسوجات الإلكترونية E-textiles"، التي يمكن أن نُعرفها بأنها نوع من المنسوجات يحتوي على عنصرٍ أو مكون إلكترونيّ، وكما أصبحت الأجهزة القابلة للارتداء "Wearable devices" ذائعة الصيت بيننا اليوم، ستصبح المنسوجات الإلكترونية كذلك في المستقبل القريب.

وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، كان للمنسوجات الإلكترونية استخدامات عديدة في الصناعة، ولاحقًا سنتعرف على تطبيقات هذه الصيحة، والتي تنقسم لنوعين رئيسين بالمناسبة هُما:


1. المنسوجات الإلكترونية المُدمَجة Embedded E-textiles: وهي عبارة عن أقمشة عادية نُسِجَ بداخل أليافها مكونات إلكترونية، وعادة ما تكون مُريحة للاستخدام اليومي، إذ لا تحتوي على مستشعرات كبيرة كما سنرى في النوع الثاني، وعلى الرغم من أن هذا النوع محدود الاستخدام نوعًا ما، فإن له مستقبل واعد نظرًا للتقدم الذي نُحرزه على مستوى أحجام المكونات الإلكترونية وتصغيرها قدر المستطاع.
2. المنسوجات الإلكترونية عديدة الطبقات Laminated E-textiles: يُصنع هذا النوع بنهجٍ مختلف عن سابقه إذ لا تُحاك القطع الإلكترونية بداخل ألياف النسيج نفسه، وإنما تُوضَع فوقه كطبقة، ولهذا سُميَّ بالمنسوجات الإلكترونية عديدة الطبقات، ولهذا أيضًا نراه أضخم حجمًا وأقل مرونة من المنسوجات الإلكترونية المُدمَجة، ولكنه في الوقت نفسه يضم وظائف وخصائص أكثر بحكم إمكانية تركيب أكثر من مستشعر أو تقنية.
أمثلة على المنسوجات الإلكترونية

رائد فضاء سترة Astroskin - المصدر: Space.com نقلًا عن NASA


لعل "الملابس الساخنة- Heated Apparel" هي النوع الأشهر من المنسوجات الإلكترونية، ولمن لا يعرف، فهذا النوع -وكما يتضح من الاسم- هو عبارة عن ملابس مزودة بعناصر للتدفئة. على سبيل المثال، قد تجد قفازًا تنطبق عليه هذه المواصفات وبأسعار معقولة، أو سُترة يمكن أن تُحافظ على درجة حرارة جسمك الطبيعية في البرد القارس، علاوة على ذلك، يُمكن التحكم في هذه الملابس باستخدام تطبيق على الهاتف الذكي لضبط درجة الحرارة، أليس هذا شيئًا رائعًا؟

مثال آخر على المنسوجات الإلكترونية هو نوعٌ من الملابس التي يُمكن لرواد الفضاء أن يرتدوها ليحسّنوا من حركتهم، مثل الـ "Astroskin"، والذي يكون على شكل سترة لا تحتاج إلى تنظيفٍ أو شيء من هذا القبيل، ناهيك عن أنه يزودهم بمسحٍ شامل لصحتهم وحالتهم الجسدية.

مثالٌ ثالث وعمليّ أيضًا على المنسوجات الإلكترونية نجده في القمصان المزودة بأجهزة تتبع معدل ضربات القلب. هذه القُمصان عادة ما تندرج تحت التصنيف الثاني؛ المنسوجات الإلكترونية عديدة الطبقات Laminated E-textiles، ومؤخرًا أصبحت شائعةً "خصوصًا بين الرياضيين" وثمنها في المتناول، ناهيك عن أنها مفيدة جدًا لأولئك الذين يعانون من أمراض القلب ويرغبون في متابعة حالتهم الصحية باستمرار.

تطبيقات على المنسوجات الإلكترونية
قياس المؤشرات الحيوية
إذا كان هناك تطبيق من تطبيقات المنسوجات الإلكترونية قد قُتِلَ بحثًا، فهو استخداماتها الطبية، وبالتحديد في مراقبة عدة جوانب من صحة الأشخاص، مثل ضغط الدم ومعدل ضربات القلب وحتى أعراض الأمراض. فلو أخذنا من ارتفاع ضغط الدم مثالاً، سنجد أنه تم تصنيع العديد من الملابس وتزويدها بمستشعرات حيوية لجمع البيانات حول ضغط الدم الانبساطي والانقباضي، وهذا يتيح للمستخدم متابعة حالته باستمرار ومعرفة أي العوامل الضارة وأيها النافعة، وبإخباره الطبيب لِما يحدث معه، يكون العلاج أسهل وأكثر فاعلية. أضف إلى ذلك أن المنسوجات الإلكترونية تعمل كأقطاب كهربائية لقراءة تخطيط كهربية القلب والعضلات، وغير ذلك من الاستخدامات.

الحفاظ على سلامة العُمّال
يُمكن أن تُقدّم المنسوجات الإلكترونية مساعدة كبيرة للعمّال الذين يشتغلون بالليل مثلاً، إذ تكون مزودة بإضاءات LED ما يساعد على الرؤية، وليس هذا فحسب، إذ يمكن أن يُضاف إلى هذه المنسوجات جهاز إرسال لاسلكي يُرسل إشارات تلقائيًا لإنقاذ الصيادين -على سبيل المثال- إذا ما ضلوا الطريق، وهذا ما حدث بالفعل مع صيادين في النرويج.

جعل السيارات مريحة
تناولاً للمنسوجات الإلكترونية من منظور مختلف، سنرى أنها يمكن أن تُستَخدم في السيارات وجعلها مريحة إلى حد كبير، كيف؟ عن طريق تغليف مقود السيارة والكراسي بهذه الأنسجة التي يمكن أن تتكيف مع الظروف الجوية، وتوفر جوًا باردًا عندما تتوسط الشمس كبد السماء أو جوًا دافئًا عندما يهل الصقيع.

تحسين أداء الرياضيين
تعمل العديد من الشركات على تصميم ملابس وإكسسوارات مصنوعة من المنسوجات الإلكترونية لتحسين أداء الرياضيين وتتبع أداءهم وحركتهم. من ذلك مثلاً نجد أن هناك نعلاً يتم ارتداؤه في الأحذية الرياضية فيُحسّن من حركة مرتديه ويُجنّبهم الإصابات. من شأن هذا الاختراع أن ينقل سباقات العدو إلى مستوى آخر تمامًا. لاحظ أن المنسوجات الإلكترونية يمكن أن تكون متعددة الأغراض، فقد تجد قطعة ملابس تُحسن من أداء الشخص الرياضي، وفي الوقت نفسه تتبع مؤشراته الحيوية من ضربات القلب وخلافه.
مع التطور التكنولوجي الزاحف والذي لا يتوقف، قد نرى في القريب العاجل تطبيقات مُعقدة جدًا واستخدامات للمنسوجات الإلكترونية لم نكن لنحلم بها. على سبيل المثال، قد نرى ملابس قادرة على تغيير لونها وشكلها بسهولة منقطعة النظير، وفي الوقت نفسه قادرة على قياس تتبع صحة الأشخاص. ربما نرى أيضًا ملابس قادرة على تحمل أقوى الصدمات، بل تُعالج الجروح والكدمات مثلاً، لنكون بذلك أبطالاً خارقين فعلاً.

اليوم، يتم البحث والتمحيص في هذه السيناريوهات بالفعل لدرجة أن ثَمة شركة تمكنت من تطوير حبوب ذكية يتم بلعها وربطها بالهاتف حتى تُرسِل للشخص بياناته الصحية عن طريق المُستشعرات! نفس الشيء بالمناسبة يحدث على مستوى الملابس القادرة على تغيير لونها، إذ تمكنت شركة أخرى من تصنيع جاكيت يُسمى " Solar Charged Jacket" يستطيع أن يفعل هذا الشيء بسهولة.

بوصولنا إلى هذه الأشياء الجنونية والمراحل التكنولوجية المتقدمة، لا نستبعد أن نصل للأنسجة المقاومة للرصاص والحروق والجروح في آنٍ واحد، وربما نصنع ملابس تعمل بالذكاء الاصطناعي تُشخّص الأمراض ذاتيًا وتقيس العلامات الحيوية، ولِمَا لا تُعالجنا أيضًا؟ لا شيء مُستَبعد بعد كل ما توصلنا إليه والسماء هي حدودنا.