" لاشيء ؟ ألا تفهمين إنني أصبحت الآن بلا حصان ولا فارس ؟ أتعتقدين انه من السهل علي أن أجد من يحل محله في هذا الوقت من السنة ؟ "
وزار وهو يقبض على ذراعها بقبضة من حديد ثم أضاف :
"علي أن أشكرك على كل هذا ، أنت وحصانك هذا!"
صاحت بسخرية :
" أوه بالتأكيد ، إن الخطأ خطأي ... حسنا لا تقلق سأدفع حساب المستشفى وثمن أي خسارة أو إزعاج سببتهما لك ".
وأجاب كورد :
" بالطبع ستدفعين ... أنت على حق في هذا " .
ثم خفض صوته متوعدا :
" ولكن كل أموالك لن تشتري لك مخرجا من هذه الورطة . ستأخذين مكان كريس ، ولأول مرة في حياتك ستعرفين معنى أن تعملي حتى تسددي دينا ".
سألته ستاسي وجسدها يرتعش من الغضب :
" ماذا تقصد ؟ "
أجابها وفي صوته رنة سخرية عميقة :
" لقد مثلت دور اليتيمة المسكينة فحصلت على الكثير من العطف . أراهن أن قلبك انكسر حقا عندما توفي والدك وترك لك كل هذا المال ".
اخترقت كلماته قلبها كالسكين الحاد ، ولم تقو على الكلام من بشاعة اتهامه لها . وبلا شعور وجدت يدها تصفع خده . وشعرت براحتها تلسعها وهو يركز عليها عينيه بنيرانها العميقة مرة أخرى .
ضغط على أسنانه وتمتم :
" هكذا تلعب القطة . لقد افلت بفعلتك اليوم ولكن لو كنت مكانك لم حاولت أن افعلها مرة أخرى ".
ثم قال في لهجة الأمر :
" ستبدئين العمل غدا . وعليك أن ترتدي ثيابا عملية مثل الجينز . إننا لا نقيم عروضا للأزياء على الجبال "
تسمرت قدماها على الأرض ، وتساقطت دموع الغضب على خديها وهي ترقب خطوات كورد مبتعدا . وشدت قبضة يدها وهي تحاول أن تجد كلاما تصيح به خلفه ، ولكن فمها رفض أن يفتح ولم تخرج منه الكلمات أبدا . وقفت في مكانها ترتعش من غضب لا تقوى على السيطرة عليه ، ثم استسلمت تدريجيا للتشنج .وكان كورد قد امتطي جواده وانطلق في اتجاه بيت المزرعة قبل ان تتمكن ستاسي من ان تحرك من مكانها . ثم اتجهت ببط في نفس الاتجاه وذهنهامشوش بين افكارالكراهية للمزارع والشفقة علي الشاب المصاب والحصان الميت .
توجهت للمنزل في صمت غافلة عن كل ما يحيط بها . دخل تغرفة نومها وجلست علي السرير تنظر لحاجياتها التي كانت جمعتها لترحل.
مسحت دموع الغضب من عينيها بيد واحدة , وأخذت تستعيد حديثهمامرة اخري , كان من الخطأ أن تهتم بالحصان أكثرمن الانسان , ولكن مقتل الحصان صدمها بقوة . ربما كان من الخطأ أن تتهم كورد بقتل الحصان بوحشية بدون أن تفكر إذا كان في الامكان معالجة الحصان أم لا ولكن ستاسي لم تستطع أن تلتمس له عذرا في هجومه الظالم عليها بشأن والدها . ثم أنها لم تقل له أبدا أنها يتيمة . صحيح أنها أخبرت آل نولان عن يتمها ولكنها بالطبع لم تحدث أحدا عن المال الذي ورثته ! انطفأالغضب في قلبها وحل محله شعور قاهر بالأس . كيف تأمل أن تقنعه بأن ما قاله غير صحيح ؟ دفعها اضطراب أفكارها للنهوض , واخذت تذرع الغرفة جيئة وذهابا . وراحت تغلي في داخلها من فرط استيائها من كورد هاريس.
تري كيف يستطيع أن يجبها علي البقاء رغما عنها ؟ لن يستطيع بالطبع إجبارها علي العمل . ما الذي تعرفه هي بالظبط عن الزراعة ؟ وقفت ستاسي أمام المرأة وفي ذهنها فكرة تختمر , لن يستطيع أن يمنع رحيلها لأنه ليس موجودا . نظرت إلي بسرعة لساعتها ونظرت للخارج بنفس السرعة . لقد مضي وقتا أطول مما تصورت . غابت الشمس ولا بد أن كورد تغيب أكثر من ساعتين . إذا ليس أمامها الكثير من الوقت إذا شاءت أن ترحل قبل عودته . وبسرعة بدأت تجمع أشيلءها وتضعها خارج الغرفة.
بالطبع سيتهمها بالهرب لرفصها مواجهة تحديه , ولكن ليفكر كيفما شاء . لسوءالحظ أنها أرغمت علي قبول ضيافته أثناء مرضها , ولكن لم يعد هناك داع لبقائها أكثر من ذالك , يكفي أنها عرضت دفع حساب المستشفي حيث يعالج الفتي , وعرضت دفع ثمن الحصان لكورد , أما إذا كانت غير قادرة ماديا علي الدفع فمعني هذا أن يجدوا طريقة آخري للتغلب علي هذه المشكلة , فهي اعترفت بمسؤوليتها عن حصانها.
وما كادت ستاسي تسرع بارتداء سترتها المزركشة , وتأخذ حقيبتها ثم تخرج من الغرفة حتى سمعتالباب الكبير المصنوع من خشب البلوط يقفل . وقفت كالمخدرة إلي جانب حقائبها , وأخذت تحملق في الرجل الطويل الواقف أسفل الدرحج . كانت ملامح كورد مختبئة في الظل , ولكن ستاسي استطاعت أن تتخيل الحاجبين الداكنين معوقودين , والفك الصارم , وفوق كل هذا تخيلت خط الفم المكتئب . وبدت عيناها واسعتين داكنتين من شدة الخوف وسرت القشعريرة في جسدها . لم ينطق أحدهما بكلمة وازدادت حدة التوتر بينهما .
وقال بصوت خفيض :
" هل أفهم أنك راحلة ؟"
وردت عليه ستاسي بتحد رافعة ذقنها :
" وماذا إذا كنت راحلة؟"
خرج كورد من الظلال ورد عليها ببرود :
" إذا أقترح أن تنسي هذا الأمر ".
ظهرت علي وجهه خطوط جديدة لم تلحظها ستاسي من قبل , ولكنها لم تكن لتخطىء رنة الخشونة في صوته , والقي نظرة آخري علي الحقائب وعليها ثم قال:
"من الأفضل أن تفكي حقائبك ".
وانفجرت ستاسي غاضبة :
" هل تظن حقا إن باستطاعتك الاحتفاظ بي سجينة هنا؟"
نظر إليها نظرة سريعة قبل أن يجيب :
" أنت مدينة لي , وأنا أضع شروط الدفع".
كان من المستحيل أن تحارب هذا الرجل , وسري اليأس في أوصالها . هزت كتفيها قليلا اعترافا بالهزيمة . وذهب الوهج من عينيها وحل محله اليأس والحيرة . حاولت أن تقاوم للمرة الأخيرة فقالت :
" لن أبقي في هذه الغرفة ليلة أخري ".
ظهرت في عينيه نظرة من يتسلي قبل أن يشيح بوجهه عنها
" كما تريدين . هناك غرفة للضيوف في الدور الأسفل , استعمليها"
وتوقف برهة ثم أضاف : " ربما كان يهمك أن تعرفي , سيكون الشاب في المستشفي لبضعة أسابيع , وبعد ذلك سيظل بلا نشاط لمدة شهرين ".
شعرت ستاسي بالحرارة تسري في وجنتيها خجلا لعدم اهتمامها بالسؤال عن حالة الفارس المصاب . لماذا كان يستطيع دائما جعلها تبدو في صورة من لا قلب لها ؟ شعرت بالانكسار فجمعت حقائبها وخطت إلي البهو وتوقفت عند أول باب علي يسارها . كانت في حالة من الضيق لم تسمح لها باستيعاب محتويات الغرفة . الغضب يسيطر علي كل أفكارها , ولم يكن في أمكانها التفكير إلا في عيني كورد الداكنتين ووجهه بملامحه المحددة . وضايقها هو أن تجعل من نفسها أضحوكة , وتزيد من اعتقاده بأنها مدللة وأنانية . وكانت ستاسي تعلم أنها لن تلقي منه أية رحمة . كان يتوقع منها أن تحل محل الفارس بغض النظر عن كونها امرأة .
وهمست لنفسها : حسنا يا سيد هاريس . أستطيع أن أتقبل أي شيء تدبره لي لن أطلب الرحمة ,
وفي الصباح التالي ما كادت الشمس تلمس السماء حتى سمعت ستاسي دقة عالية علي بابها . رفعت نفسها علي كوعها وقد غالبها النعاس نظرت من النافذة ثم إلي الساعة الموضوعة علي الخزانة . ومكثت لمدة دقيقة حتى تذكرت أحداث اليوم السابق فقالت:
" نعم؟"
جاءها صوت كورد من البهو:
" حان موعد استيقاظك , هذا أذا كنت تريدين تناول القهوة والإفطار قبل الذهاب إلي العمل".
لم ينتظر إجابتها بل مشي بخطوات واسعة بعيدا عن الباب , نزلت ستاسي من السرير وكلها إصرار . ولم تكن في حاجة لأكثر من دقائق قليلة لترتدي بنطلونها وقميصها ثم تجمع شعرها وتربطه خلف عنقها . وداعبت شفتيها الرقيقتين ابتسامة صغيرة وهي تنظر لصورتها في المرآة . يخطئ سيد هاريس إذا ظن أن البنطلون الجينز الأزرق والبلوزة البسيطة سيقللان من أنوثة مظهرها . لم تستطع إخفاء نظرة السرور في عينيها وهي تشاهد رقة قوامها . تأكدت من وجود قفاز الركوب في جيب سترتها الجلدية , ثم أخذت قبعتها ونزلت إلي غرفة الطعام .
لسوء الحظ لم تجد كورد. فسألت ماريا التي أجابت بأن سيد هاريسانتهي من تناول إفطاره وخرج ليعطي تعليماته للرجال , كان ارتباك ماريا ظاهرا إزاء التغير الذي حدث في مجريات الأمور , وأخذت ترمق الفتاة بنظرات حائرة . وعندما فرغت ستاسي من تناول الخبز القديد والقهوة أبلغتها ماري أن عليها أن تقابل السيد في الساحة . عندما وصلت ستاسي للساحة وجدت أن أغلب الرجال قد رحلوا بالفعل , وحمدت الله إذ أنه كان محرجا جدا أن تتعرض لأوامر المزارع البغيض في وجود رجاله . وتعرفت عليه من قوامه الفارع وهو يخاطب رجلين . كان ظهره في اتجاهها فلم يرها وهي قادمة , ولكن ستاسي كانت واثقة من أنه أحس بقدومها .
حاول الرجلان الواقفان معه تجاهلها . كان أطولهما قامة أكبر من ستاسي بسنوات قليلة , وبدأ عليه الحرج من هذا الموقف . ظل رأسه مطرقا وقبعته تخفي تعبيرات وجهه عن ستاسي . أما الرجل الآخر فكان أكبر بسنوات كثيرة وكان وجهه مليئا بالتجاعيد وأشبه بالجلد من كثرة التعرض للشمس , حتى أن ستاسي لم تستطع أن تحدد سنه . وعندما اقتربت من الرجال , قابلها الرجل المسن بنظرة واضحة , ورأت إمارات الشفقة والتعاطف مكتوبة في عينيه اللتين ظهر فيهما الحول في شمس الصباح . كان عزاء لها أن تجد فيه حليفا.
|