عرض مشاركة واحدة
قديم 07-02-2011   #18


الصورة الرمزية جنــــون

 عضويتي » 752
 جيت فيذا » Feb 2010
 آخر حضور » منذ 9 ساعات (02:13 AM)
آبدآعاتي » 3,304,166
الاعجابات المتلقاة » 7609
الاعجابات المُرسلة » 3806
 حاليآ في » » 6ـلىآ رَصيـﭮ الـجنـﯛטּ εïз ••
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الترفيهي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » جنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   star-box
قناتك mbc
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: استخدم كاميرا الجوال

мч ѕмѕ ~
لا أخشى عليك

..................من نسآء الكون

بــل أخشى عليك

من #

طفلة
تشبهني

مشآكسَة ، ثرثآرة ، مجنونة ، وتحبكَ كثيراً كثيراً
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي



وما زالت صناعة الغناء تتدرج إلى أن كملت أيام بني العباس عند إبراهيم ابن المهدي وإبراهيم الموصلي وابنه إسحاق وابنه حماد.
وكان من ذلك في دولتهم ببغداد ما تبعه الحديث بعده به وبمجالسه إلى زمن بعيد وأمعنوا في اللهو واللعب" (32).
قال ابو عبدالرحمن: لقد أسلفت البراهين الدالة على أن الغناء هو الأصل في وزن الشعر، وليس فيما أسلفته شيء من هذه الشروط التي ذكرها أب الرُّب في قوله :"وإذا كان الغناء بالفصحى هو الشعر دون جدال فإننا قد نتساءل: هل نشأت أوزان الشعر إذن من خلال هذا الغناء الشعبي الشعري المبكر؟.
ولكي نجيب بنعم علينا أولاً أن نثيت أن الشعب العربي في الصدر الأول من العصر الجاهلي كان يتكلم الفصحى حتى نستطيع أن نقول : إنه كان يتغنى بها.
ثم علينا أن نثبت بعد ذلك أن غناءه الشعري المبكر هذا كان يعتمد أوزاناً عروضية هي ذات الأوزان الشعرية المعروفة التي اكتشفها لنا الخليل بن أحمد.
ثم علينا فوق هذا أن نثبت شيئاً ثالثاً سهل الإثبات، ولكن (33) المنهج العلمي يقتضيه .. علينا أن نثيت أن الغناء الشعبي الشعري هو أسبق إلى الوجود من هذا الشعر الإلقائي الكلامي الذي رأيناه يسود في أواخر العصر الجاهلي.
إذا استطعنا أن نثبت هذه القضايا الثلاث السابقة فإننا نكون قد وصلنا إلى نتيجة علمية منطقية، وهي أن أوزان الشعر العربي كانت في الأصل طرقاً غنائية شائعة ابتدعها الشعب العربي من خلال مسيرة غنائه المبكر" (34).
قال أبو عبدالرحمن: ويهمني من هذه القضية استدلاله على أن الشعر الفصيح مادة الغناء .. قال :"ولدينا على ذلك دليلان واضحان:
الأول: أن كتبنا القديمة حين كانت تذكر بعض النصوص الشعرية التي كانت تغنى في الجاهلية كانت تعرض لنا دائماً شعراً يقوم على أحد هذه الألوانالشعرية المعروفة، ولا تعرض شعراً يقوم على أحد هذه الأوزان الشعرية المعروفة، ولا تعرض شعراً يقوم على أوزان أخرى.
فهي تخبرنا مثلاً بأن القيام في المدينة كن يغنين قصيدة مشهورة لنابغة الذبياني من بحر الكامل،
بل إن بعض الكتب تخبرنا أن عائشة (رضي الله عنها) عندما زُفت الفارعة بنت أسعد سأل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: كيف تقول المغنية في العرس؟.
فقال: تهزج، فتقول:
أتيناكم أتيناكم * * * فحيونا نحييكم
ولولا الذهب الأحمر * * * ما حلت بواديكم
ولولا الحنطة السمراء * * * ما سمنت عذاريكم (35)
بل إن الشاعر العربي القديم حتى في المرحلة الإلقائية المتطورة كان يدرك أن طبيعة عمله هي نظم نصوص غنائية لا أكثر، لذا رأيناه يقول:
تغن بالشعر إذ ما كنت قائله * * * إن الغناء لهذا الفن مضمار
كذلك الأدباء فإنهم حين كانوا يجمعون في كتبهم الأشعار القديمة كانوا يشعرون في ذات الوقت أنهم يجمعون أيضاً نصوصاً غنائية، لذا رأينا أبا الفرج الأصفهاني حين ألف مجلده الضخم الذي جمع فيه أكثر أشعار العرب السابقين رأيناه يطلق عليه اسماً موحياً (الأغاني).
كل هذا إذن دليل ساطع على أن الغناء الجاهلي كان شعراً فصيحاً يعتمد الأوزان العروضية المشهورة.
أما الدليل الثاني على القضية فيرتكز على ملاحظة بسيطة هي أن الشعر الغنائي أجدر بأن تتناقله الأجيال وتتوارثه من الشعر الإلقائي العادي، ذلك لأنه أعلق بالنفس لرقته من جهة، كما أنه يظل يغني ويردد في كل مناسبة من مناسبات الأجيال المتكررة من جهة أخرى.
فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا نستطيع التمييز إذن بين النصوص الغنائية الشعرية وبين النصوص الشعرية الإلقائية التي جمعها لنا الرواة في مرحلة متأخرة؟.
أم تراهم جمعوا لنا فقط الشعر الإلقائي وأعرضوا عن الشعر الغنائي؟.
ومن المحقق أن الرواة قد جمعوا لنا فيما جمعوا شعراً كثيراً من النصوص الغنائية الجاهلية القديمة، ولكننا لا نستطيع أن نميزها الآن عن النصوص الإلقائية، لأننا لا نجد ثمة فرقاً بين اللونين من الشعر من حيث الوزن أو اللغة أو نظام القافية.. ونحسب أننا بهذا نكون قد فرغنا من إثبات القضية الثانية .. ختى إذا انتقلنا إلى القضية الثالثة وجدناها واضحة لا تحتاج إلى أدلة وبراهين كثيرة، فالغناء الشعري قطعاً أسبق إلى الوجود من الشعر الإلقائي، ذلك لأن الشعر الإلقائي هو فن ناضج، ولابد أن يكون قد مر بمراحل تطورية سابقة، فهو يدل على رقي في العقلية الإنسانية بينما الغناء نشاط سيكولوجي ضروري الوجود، ولا يحتاج إلى شيء من ذلك حتى يظهر، لذا فهو عند أي شعب من الشعوب يسبق دائماً ظهور أي فن من الفنون الجميلة.
إذن فالغناء الشعري الجاهلي أسبق إلى الوجود من الشعر الإلقائي(36)، لكن فن الشعر بشكل عام قد ولد غداة ولادة الغناء بالفصحى، لأن العرب الفصحاء الأقدمين حين بدأوا يغنون بدأوا أيضاً يقولون الشعر في ذات الوقت"(37).
ثم قال أبو الرُّب :"لكن الذي لاشك فيه أن الغناء الشعري المبكر قد تمخض في مرحلة متطورة تالية عن لون آخر من الشعر لا نقول : إنه يختلف من حيث الوزن أو اللغة أو نظام القافية، ولكنه يختلف من حيث كونه لم ينظم خصيصاً للغناء، بل نظم لأغراض اجتماعية أخرى، وليُلقى على أسماع الناس إلقاء خطابياً.
ونقصد به هذا اللون الكلامي من الشعر الذي كان يجتمع إليه الناس في محافلهم العامة فيلقيه أصخابه عليهم في سوق عكاز وغيره من الأماكن.
على أن هذا الشعر الإلقائي في هذه المرحلة الشعرية الجاهلية المتطورة قد ظل يغني أغلب الأحيان، كما ظل هو أيضاً يعتمد على الغناء في التزام الأوزان، وفي اكتشاف العيوب الشعرية الأخرى".
قال أبو عبدالرحمن: بيد أن أبو الرُّب لاحظ فساد تقسيم الشعر إلى غنائي وإلقائي بقوله :"من المحقق أن الذي كان يساعد الشاعر الجاهلي في المرحلة الإلقائية المتأخرة على الالتزام العروضي في نظم الشعر هو الغناء والموسيقى تماماً كما يساعد الغناء الآن الشعب الأردني على انتهاج طرق عروضية معينة أثناء النظم.
فقد قيل: إن امرأ القيس بن ربيعة قد سمى المهلهل، لأنه هلهل الشعر، أو لجمال صوته .. كما أن الخنساء كانت مراثيها بمصاحبة الإيقاع، وقيل: إن علقمة بن عبدة كان مشهوراً بغناء المعلقات"(38).
قال أبو عبدالرحمن: وثمة ملاحظة أخيرة عن ارتباط الشعر بالغناء، وهي العزف بالشعر، لأن قرع الطبول ونقر الدفوف عزف جاهلي لشعرهم العربي، وهم لا يعزفون إلا بشعر.
إذن الشعر يولد ليغنى به، والقافية تلبي مطالب هذا العزف .. قال الأستاذ الدكتور شوقي ضيف :"نبع الشعر العربي من منابع غنائية موسيقية، وقد بقيت فيه مظاهر الغناء والموسيقى واضحة، ولعل القافية أهم تلك المظاهر، فإنها واضحة الصلة بضربات المغنين وإيقاعات الراقصين.. إنها بقية العزف القديم، وإنها لتعيد للأذن تصفيق الأيدي، وقرع الطبول، ونقر الدفوف .. كما تعيد ذلك شارات أخرى للغناء نجدها في الشعر القديم .. منها هذا التصريع الذي نجده في مطالع القصائد، كقول امرئ القيس في مفتتح مطولته:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * * * بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وعاد إلى التصريع مرة أخرى فقال:
أفاطم مهلاً بعضِ هذا التدلل * * * وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملى
ثم صرع ثالثة فقال:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل * * * يصبحٍ وما الإصباح منك بأمثل
وكأني بهذا التصريع كان يأتي به الشاعر حين ينتهي من غناء قطعة من قصيدته أو إنشادها، وينتقل إلى أخرى، وربما كان ذلك أحد الأسباب التي جعلتهم يفزعون إليه حين ينتقلون من موضوع إلى موضوع في النموذج الفني" (39) .
وتكلم عن التقطيع الصوتي وقيمة الغنائية فقال :"كثر هذا التقطيع الصوتي في الشعر القديم، فمن ذلك قول امرئ القيس يصف فرسه في معلقته:
مكر مفر مقبل مدبر معا * * * كجلمود صخر حطه السيل من علِ
ويقول طرفة في مطولته:
بطيئ عن الجلى سريع إلى الخنا * * * ذليل بإجماع الرجال ملهد(40).
وروى قدامة في نقد الشعر كثيراً من مثل هذه الأبيات التي تنثر في الشعر القديم نثراً، والتي لاشك في أن الغناء هو الذي دفع إلى صنعها حتى يوفوا للشعر قيماً صوتية تساعد على تلحينه والترنم به" (41).
وقال :"ومهما يكن فإن الشعر الجاهلي نشا في ظروف غنائية، وتركت هذه الظروف آثاراً مختلفة فيه .. بعضها نراه في قوافيه وتقطيعاته، وتركت هذه الظروف آثاراً مختلفة فيه .. بعضها نراه في قوافيه وتقطيعاته، وبعضها نراه في تلك الأوزان القصار التي أثرت عن العصر الجاهلي، والتي ليس من شك في أنها ظهرت تحت تأثير الغناء" (42).
قال أبو عبدالرحمن: إذن ما قبل العروض مرحلة يوزن فيها الشعر بالغناء والترنم، لأن العرب الأميين لا يعرفون بحوراً للشعر ودوائر تقطع عليها كلمات الشعر بصرياً.
وبناء على هذا فالغناء معياره الوزن سواء كان غناء صنعة أم كان غناء ساذجاً.
وفي عصر ما قبل العروض معايير أخرى ترادف الغناء كالترنم، أو تحاكيه، أو تكون مفتاحاً له.
فأما الغناء والترنم فقد فصلت القول فيهما.
وأما ما كان مفتاحاً للحن الغنائي فالموال، وعرف من موال الشعر الجاهلي هايدا هايدا رمزاً للحداء كما ذكر ذلك عبدالكريم النهشلي (43).
ويشبه ذلك في عصور العامية دان داني، ومالي مالي- والأخيرة عند المغاربة- والهينمة، والملالاة.
وأما محاكاة اللحن فيكون إما بترديد كلام على غنائه، وإما بترديد كلام يزنه بوحدات ترتسم في الذاكرة فيكون إدراكها بالتطبع ملكة للسمع .. وهذه الوحدات أخذت من تقسيم ألحان شعر غنائي.
فأما محاكاة اللحن بترديد كلام على غنائه فمثل التنغيم بالمعجمة:
نعم لا- نعم لالا- نعم لا- نعم للا.
وأما محاكاة اللحن بترديد كلام يزنه فبأسلوب التنعيم بالمهملة، والمتر كأن ينظم قصيدة على وزن معلقة قفا نبك.
وقد يكون المتر بتنغيم أيضاً، فيصنع لقفا نبك أي لحن ساذج وإن لم يكن اللحنَ الذي تُغنَّى به تلك المعلقة في الجاهلية، فينظم على منواله، فيخرج له بحر "قفا نبك".
قال الدكتور عبدالحميد حمام :"والاعتقاد السائد يقضي بأن الشعراء اعتمدوا الألحان (أي الأشعار) السابقة لهم في وزن الأشعار الجديدة، فالباقلاني يذكر أن ثعلب قال: إن العرب كانت تعلم أولادها قول الشعر بوضع غير معقول يوضع على بعض أوزان الشعر كأنه على وزن قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل.
قال الدكتور عبدالحميد همام :"والاعتقاد السائد يقضي بأن الشعراء اعتمدوا الألحان (أي الأشعار) السابقة لهم في وزن الأشعار الجديدة، فالباقلاني يذكر أن ثعلب قال: إن العرب كانت تعلم أولادها قول الشعر بوضع غير معقول يوضع على بعض أوزان الشعر كأنه على وزن قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل.
ويسمون ذلك المتير واشتقاقه من المتر، وهو الجذب والقطع (44).
ويعلق شوقي ضيف على ذلك بقوله: فأساس الشعر عندهم كان تعلم الغناء وألحانه (45).
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الأسلوب لا يزال متبعاً في الغناءالعربي من بدوي وقروي ومدني حتى الآن.
والزجالون يرتجلون أشعارهم بسهولة ويسر، لهضمهم اللحن، ولاستيعابهم الوزن الذي به يغنون، فلا يحتاجون إلا إلى التركيز على وضع المعنى في ذلك القالب، وهذا ما يحدث في الشعر البدوي حيث يترنم الشعراء بالألحان البدوية من سامري وهجيني وحداء، ثم ينظمون أشعاراً جديدة على منوالها، فتأتي مساوية لها بالوزن"(46).
قال أبو عبدالرحمن : أشد الناس ملاحظة لانبثاق الشعر من الغناء هو أشدهم دعوة إلى أن يكون الشعر غنائياً بعد عُقَدِ الحداثة، ولهذا تحدث توفيق أبو الرُّب عن التجديد الحداثي في الشعر العربي المعاصر حديث المتبرم من تجديد يلغي القافية ذات الإيقاع النغمي المتكرر، ويمزق الموسيقى بتمزيق التوازن العروضي بين الأبيات والشطرات (47).
وقارَن بين تجديد المجددين في القرن الرابع عشر الهجري وبين تجديد من تلاهم من الحداثيين فقال :"التغيرات الجديدة التي طرأت على الشعر العربي في هذا القرن قد جعلته يخلص ثانية للغناء، لكن المجددين المحدثين قد هبطوا به إلى درجة النثر الغامض الذي لا يسر.
ووسائل الترفيه الحديثة اقتضت منه أن يكون مؤثراً ظريفاً واضحاً، لكن المجددين المتأخرين قد جعلوه ثقيلاً مملاً كالألغاز أو أشد غموضاً من الألغاز .. تقرؤه فلا تفهم عنه شيئاً.
وكيف تستطيع أن تفهمه إذا كان أصحابه أنفسهم أغلب الظن لا يفهمون عنه شيئاً؟.
وبعد فلا ريب أن الشعر العربي المعاصر يعاني هذه الأيام حشرجة مؤلمة تحاول أن تقتله لكنه يتشبث بأسباب الحياة.
ولكن هل الشعر العربي وحده هو الذي يعاني أزمة حادة في هذا العصر؟.
كلا فالشعر في جميع أنحاء العالم يعيش الآن أزمة .. حتى أن الشعراء الأمريكيين مؤخراً قد عقدوا مؤتمراً تدارسوا فيه أسباب عدم إقبال القراء على الشعر في السنوات القليلة الماضية.
فالشعر العالمي جميعه قد تعرض أيضاً في ظل الحضارة الحديثة إلى كثير مما تعرض له الشعر العربي من ظروف التغيير والمنافسة.
والشعر الغربي على وجه الخصوص يعاني الآن أزمة حادة، لذا نراه يحاول الخروج منها بالاتجاه نحو الغناء كما يقول رواده الكبار ت.س.إليوت (48).
وإذا كان الشعر الغربي الآن يتلمس الحل لأزمته في الاتجاه إلى الغناء تاركاً التمثيل والقصة، لأن النثر قد غلبه عليهما: فما بالك إذن بالشعر العربي الذي كان ولا يزال كما يقول طه حسين في حق: ليس من القصص ولا من التمثيل في شيء، وإنما هو غناء ليس غير (49).
علاج أزمة الشعر العربي المعاصر إذن في أيدي الشعراء أنفسهم، فهم مطالبون الآن بأن يعيدوا له غنائيته القديمة، وأن يعيدوا له موسيقاه الممزقة المنفية، وأن يعيدوا له صدقه ووضوحه وبساطته السابقة .. هم مطالبون بإيقاف هذا الهزر النثري الغامض الذي يصر على تسمية نفسه بالشعر الحديث.. فما هو بالشعر وما ينبغي له، إن هو إلا كلام مبهم ممجوج.
هم مطالبون الآن باستثمار مواهبهم الإبداعية في ابتكار الأوزان اللحنية الجديدة، وبأن ييمموا وجوههم شطر الغناء الشعبي الشائع في بيئتهم، لاستلهام ألحانه الثرة العذبة في قصائد شعرية فصيحة، فهذا من شأنه أن ينعش فن الشعر، وأن يساعده في الخروج من أزمته الراهنة.
وأخيراً هم مطالبون بأن ينظموا أشعارهم مرنمين أفراحهم وأتراحهم وأحاسيسهم الوطنية والاجتماعية ترنيماً موقعاً متخذين شعارهم في ذلك قول سلفهم القديم:
تغن بالشعر إذ ما كنت قائله * * * إن الغناء لهذا الفن مضمار" (50)
قال أبو عبدالرحمن: الاستخفاف بشعر الحداثة إلى هذا الحد، ووصفه بأنه ممجوج غير مفهوم- ونحن نعرف روائعه في شعر السياب والبيتاني وعبد الصبور، وغيرهم- سببه الجهل بقيمة الفنية والفكرية.
وأما المطالبة بالعنصر الغنائي- بل الجمالي بعامة- فمطلب ضروري قصرت له كتبي الثلاثة :"الالتزام والشرط الجمالي"،"والقصيدة الحديثة وأعباء التجاوز"،"والعقل الأدبي".
ولكن ليس من الشرط أن يكون العنصر الغنائي عنصراً تاريخياً مأثوراً كوحدة القافية وتساوي الأشطر، وإنما المهم أن يكون غنائياً فحسب.
ومن الغناء موسيقى الشعر الداخلية، وقد أفاض الدكتور شوقي ضيف عن تأثير الملحنين في الشعر بإيقاظ الإحساس بالموسيقى الداخلية (51)، وتكلم عن غنائية البحتري، وعن وصف الموسيقى الداخلية بأنها قيم صوتية خفية، وامتحن مقاييس اكتشاف الموسيقى الداخلية لدى الآمدي وعبد القاهر وغيرهما، واكتشف فشل تلك المقاييس، واختار ما لاحظه لامبورن في كتابه أسس النقد من أن هذه الموسيقى يشخصها جانبان مهمان: هما اختيار الكلمات وترتيبها من جهة، ثم المشاكلة بين أصوات هذه الكلمات والمعاني التي تدل عليها من جهة أخرى، حتى تحدث هذه الصناعة الغربية (52).
وعمق هذين الجانبين من كلام الجاهظ، واختار من شعر البحتري مادة تطبيقية لاستجلاء جمال الموسيقى الداخلية.
وقال الدكتور النعمان القاضي بعد مباركة للحداثين الذين لم يهدموا غذائية الشعر :"فلعل الموسيقى شعر (إذلم تنتظم نسَبُها وتتكامل كما انتظمت وتكاملت في شعرنا العربي.. وإذ تتساوى تماماً أو يجب أن تتساوى تماماً الحركات والسكنات في كل بيت من أبيات القصيدة حيث تلتقي دائماً عند قافية موحدة): توثق وحدة النغم، وتتيح الفرصة للسكوت عند آخر كل بيت وترشيده على الأسماع، وما ذلك إلا لما كان من تعانق تلحين الغناء وحركات الرقص وضرباته مع الإيقاع الشعري العربي في نشأته الأولى .. ويتضح هذا من استيفائه الأنغام الطوال والقصار ومواقع النبرات والنقرات، وتمسكه بقرار القافية الثابت، ليتم للنغم وحدته، وتتضح رناته في كل بيت، ولهذا قال حسان بن ثابت معبراً عن هذا الارتباط الذي كان ملحوظاً لدى شعراء الجاهلية والشعراء المخضرمين:
تغن بالشعر إما كنت قائله * * * إن الغناء لهذا الشعر مضمار
ومعروف لدى دارسي الأدب العربي أن الغناء الجاهلي كان وثيق الصلة بالشعر، وأنه كان على ثلاثة أوجه هي:
النصب الذي كان يخرج من أصل الطويل في العروض.
والسناد الذي كان يستند إلى كثرة النغمات والذبذات والنبرات.
والهزج الذي كان يُرقص عليه ويصحب بآلات المزمار.
ولا يغيب عن بالنا أن هذه العلاقة أخذت في التوثيق مع الأيام حتى ليقاس كل لون من ألوان الغناء تلك بمقياس العروض، وحتى ليذكر صاحب الأغاني في مقمته أنه سيذكر اللحن وعروضه، لأن معرفة أعاريض الشعر تُوصِّل إلى معرفة تجزئته وَقِسَمِهِ الحادثة.
وقد ذكر المسعودي ما ذهب إليه ابن خرداذبة من قياس ألحان الغناء وإيقاعات الرقص في العصر العباسي بمقياس العروض.
وفي الفصول والغايات يضبط أبو العلاء المعري طائفة من ألحان الغناء بتفاعيل العروض من مثل قوله: إن الثقيل الأول ثلاث نقرات متساويات الأوزان وقياسه على مثال فعولن، وقياس الثقيل الثاني مفعولان .. أما خفيفة ففعولان بالسكون، وقياس الرمل على مثال لان مفعو أو كما يقول العروضيون فاعلاتن.
وقياس الهزج قال لي أو كما يقول العروضيون فاعلن.
ومن هذا يتضح لنا ارتباط الشعر العربي بالغناء وكذلك بالرقص، فإن الهزج والرمل وهما من أوزان الشعر اقترنا بالرقص كما اقترنا بالغناء.
ولعل ارتباط الشعر بالرقص وما يصحبه من دق الأرض بالقدم هو السبب الوحيد لوجود القافية في نهاية البيت حيث يتكامل عندها الرنين ويحسن التوقف، ويتجزأ النغم المتساوي في إيقاع منتظم متكرر عند روي متحد.
ومن أجل هذا تواضع الجاهليون على إتمام المعنى في البيت الواحد ليمكن الوقوف في آخره.
ولا يمكن أن يُعَدَّ التصريع بين شطري البيت وخاصة في المطالع إلا أثراً من آثار ارتباط الشعر بالغناء، لأن التصريع يتيح لصوت الشاعر مركزين يتوقف عندهما وبخاصة في مطلع الإنشاد، وكأنه يعد الآذان لقرار النغم في القصيدة، وقد يلجأ الشاعر إلى تكرار التصريع أكثر من مرة في تضاعيف القصيدة، وكأنه يعمد بذلك إلى تجزئة الإنشاد إلى مقاطع يتوقف عند نهاية كل منها ثم يستأنف الإنشاد من جديد، وقد يعمد إلى تقطيع البيت الواحد إلى إيقاعات متساوية ذات رنات صوتية متماثلة، وقد يشي بالقافية رويها في الكلمة السابقة على القافية، وكأنه يجعل للبيت قافيتين ليعطي فسحة واسعة لامتداد الصوت وغير ذلك من مقومات لإيقاع الصوت الموائم لرنات الغناء الرشيقة ولحركات الرقص الموسقة" (53).


 توقيع : جنــــون





مواضيع : جنــــون