وَربَّ يَومٍ شَرَبنَا الكأسَ مُترَعَةً
صَفوًا وَيومٍ أَلفنا شُربَنا حَثِلا
وَربَّ يَومٍ رَأيتُ الدّهرَ يَعطِفُني
خَيرًا وَيومٍ دَهاني الدّهرُ مُشتَمِلا
وَربَّ طَيفٍ أَبيتُ الليلَ أُسلِمُهُ
سُقمي وَأذكُرُها أيَّامَنا الأولَا
وَربَّ خِلٍّ عَرَفتُ الأنسَ شِيمَتُهُ
أضجعتُهُ القبرَ بينَ الصخرِ مُعتَدِلا
وَربَّ قَومٍ عَهِدتُ القُربَ دَأبَهُمُ
زَالوا وَقد حَلَّهم بعدَ الصّفاءِ بِلَى
وَربَّ نَفسٍ رَأت قُربَ الحِمامِ ضُحًى
تَفنَى وَمَا حَلَّها لَكنَّها وَجِلا
وَرَبَّ طالِبِ حاجِاتٍ يُؤمِّلُها
قَد لَفَّهُ الدّهرُ حَتَّى آيَسَ الأَمَلا
كَذَا الحَياةُ وَمَا في ذَمِّهَا حَرَجٌ
مَتَى وَجَدتَ الذي يَحيى بِها جَذِلا
وَخَودَةٍ طَفلَةٍ لَم تَمشِ في فُحُشٍ
بَيضاءَ لَو كَلَّمَت شَيخًا غَدَا جَهِلَا
جِلقيَّةٍ لَعِبَت بِها الرّياحُ فَما
لَت مَيلَةَ الثّامِلِ الذي انتَشَى ذَهِلا
تَقولُ لُبنَةُ ما أضناكَ مِن سَقَمٍ؟
قُلتُ الفِراقَ.. فَقالت: زِدتَنِي دَلَلا
أقوِّمُ الودَّ مِنها ثُمَّ يَفلُتُني
وَكَيفَ قَومُ الذي مِن عَوجِهِ اكتَمَلا؟
عَلَوتِ مَنزِلَةً في القلبِ مُكرَمَةً
لَا تُستَباحُ وَلا أرضَى بِها عَدِلا
أَرسَلتُ خَطَّ صَبَاباتٍ لَعِجتُ بِها
إلى غُلامٍ وَقَد أَجلَلتُ مَا حَمَلَا
وَقلتُ: هذا كِتابي فابعَثَنَّ لَها
ودّي وَقل: أَلَهُ مَثلُ الذي غَفِلا؟
إنّي حَفِظتُ لَكِ العهد الذي هَزِلَت
مِنهُ ضَلوعي وَمَنَّت نَفسِيَ الأَجَلَا
فَرَاحَ ثُمَّ رَأَى في البابِ جارِيَةً
قَالَ: السّلامُ فَقالت آخَرٌ رُسِلا؟
وَظَلَّ يُبصِرُهُا طَورًا وَتَزجُرُهُ
وَبَلَّغَ القولَ ثمَّ اعتَادَني هَزِلا
قال الرَّسولُ: فَكم أرسلتَ تَسألُها
مُنذَ الزّمانِ وَكَم تُفني بِها العِلَلَا؟
فَقلتُ: أرسَلتُ عَشرًا مِن صَواحِبنا
ثمَّ انقَضَوا لا أَرَى في حَيِّنا رَجُلا
فَقَام يَلبَسُ كَفنًا ثمَّ أخبَرَنَي:
للهِ أنتَ لَقَد أفنيتَنَا الرُّسَلا
الرَّامياتُ بِلَحظٍ ما بِهِ رَمَدٌ
لَمَا رَمَشنَ تَرَكنَ الصّبَّ مُقتَتِلَا
يَفنَى الزَّمانُ وَيقضي الدّهرُ صَولَتَهُ
وَلا تَرَاهنَّ إلّا زادَهُنَّ حَلَا
فَقَلتُ: أفسِح جِوارًا قَد يُقالُ غَدًا:
كَان المُتيَّمُ ثمَّ المُرسَلُ ارتَحَلَا
قبس..
|