فلم تعرف سندس بماذا تجيب أخوتها، وقالت لهم :المهم انه نسمع كلام جدو.
وفي مساء اليوم التالي، وصل رزق وزجته الثانية مع أبنهم مصطفى. ولم يكن هناك غرفة
لمبيتهم ،إلا تلك الغرفة التي كانت لصبح. وبات رزق وزجته ليلتهم في سرير صبح ،وعند
الفجر وبعد الآذان خرج من الغرفة، فوجد سندس وأخوتها في الصالة والبرد شديد فيها
والأطفال بدون غطاء .فلم يشفق عليهم، ولم تتحرك به عاطفة الابوة ،بل أتجه إلى الغرفة
الصغيرة ،حيث صبح السجينة. وهناك وجد والده قد سبقاه، ورأى صبح ،بعد غياب سنتين
ونصف عنها رأها ولم يعرفها من السمنة التي أصابتها، وقد أحكم والده الحبل حول رسغها،
يسوقها إلى الحمام. فـ أرخى بصره إلى الارض متألما،
ووجه كلامه إلى صبح قائلا : صبح ،أنا طلقتك أمبارح أول ما وصلت البلد ،وأول ما عدينا
جسر الملك حسين .
فنظرت صبح اليه نظرة ملؤها الحقد والكره، فحالها هذا ما كانت ستصل إليه، لو أشبع نهمها
للكلمات الحالمه والتي تطلبها أي زوجة من زوجها. ولكن هيهات فما عاد يجدي الأن تذكر
تلك الاشياء ولا الندم عليها. ورغم سماعها لخبر طلاقها إلا انها أكتفت بتلك النظرة ،
وحتى رزق أدار ظهره وأتجه الى غرفة النوم أينما تنام زوجته وطفله وأيقظها
وقال لها : يسعد صباحك يا أحلى أم مصطفى ، يلا عاد قومي حضري ألنا الفطور
بتعرفي امي تعبانه
: أي ،وأنا لساتني جايه من سفر ، ليش ما تطلب من بنتك ؟
: أي طيب ولا يهمك، هلكيت بطلب منها وبالمره تعمل الرضعه لاخوها مصطفى .
خرج من الغرفة، ووقف على بابها من الخارج ،ونادى على سندس
وقال :نامت عليكي حيطه يا رب .
قومي فزي أعملي الفطور وسخني مي لحتى نتحمم وأعملي لأخوك مصطفى رضعته .
: مين مصطفى ؟؟؟
وعندها ،رفع يده إلى أعلى وأسقطه بكل جبروت وقسوة على صدغ سندس التي سقطت
أرضا وهي لم تزل بين الصحوة والنوم. فقامت من فورها وهي ترتجف ،واتجهت للمطبخ،
حتى تحضر ما أمرها به والدها. حاولت أخذ نصيبها ونصيب أخوتها ووالدتها صبح كما
تعودت ولكنه منعها
وقال : اللي بيضل بتاكلوا منه انتوا وامكم ،سيبي كلشي متل ما هو .
انصاعت لكلام والدها ،بعدما وضعت صينية أطباق الاكل على طاولة الصالون .وعند
خروجها ،طلب منها أن تنبه على زوجته ان الأفطار قد جهز وعندما رأت أم مصطفى ا
لصغيرة سندس أبهرها جمالها
وحدثت رزق عندما أنضمت إليه بالصالون : متى بدك تزوجها ؟
: لسه البنت صغيره .
: لا مش صغيره اللي قدها عندهم ولاد وبيرضعوا.
: ليش عندك عريس ألها؟ .
:آه ماله ابن عمي صبحي ولا مش عاجبك .
: اي انا حكيت أشي ولا فتحت تمي .
:آه بحسب .
: لا ما تحسبيش وخلينا نفطر .
وما أن بدأ بالأكل، دخل عليهما والده ووالدته فقام لهما رزق بينما زوجته، بقيت على نفس جلستها،
وقال : صباح الخير يابه كيف حالكوا يمه وكيف الاولاد متعبينكم ؟
:لا يابه الصغيره سندس قايمه بخدمتنا، زيها زي ما كانت امها وأكثر .
وبدأوا في تناول الافطار، حين قطع الوالد الصمت وقال : وهلكيت عشان صبح يابه اش ناوي تعمل ؟
فتضايقت زوجته أم مصطفى وقال رزق : خلص يابه أنا طلقتها ،ووين ما بدها تروح الله بيسهل عليها . بس الاولاد بيضلوا هان
وكل أخر اسبوع بتسمح ألهم يروحوا عند أمهم وبيباتوا عندها خميس وجمعه .
: آه هيك منيح يابه أقله سندس بتخدمنا .
فهناك حيث الاحتلال، وانفلات النظام والقوانين ،ما من أحد يتبع شريعة أو قانون .فكبير
العائلة يقرر وينفذ بدون أذن أو نقاش . وعندما سمع أخوة صبح بطلاق أختهم حتى
سارعوا إلى تخليصها من براثن عمهم وزوجته .وفي ذات الوقت اتفقوا على الترتيبات
النهائية، بالنسبة لـاولاد صبح. حيث أتفقوا على أن يكون الطفلان بصحبة أمهما ثلاث
أيام بالاسبوع اربعاء وخميس وجمعه. وعند عودتهما، إلى بيت جدهما، تذهب سندس
عند والدتها ،ليوم فقط. فهي بنظرهم بنت وعليهم المحافظة عليها، خوفا عليها من سمعة
والدتها الساقطة ( وما هي بساقطة). ولكن كانت المشكلة أين سيستقر الأمر بصبح ،
أين ستقيم ، فبعد وفاة والدا صبح تفرق الأخوة كلٌ في منزل مستقل ولكنه في نفس الحي ،
بعد أن تزوجوا. وبقي بيت العائلة ،فارغا إلا من ذكريات لهم يحتفظ بها كل منهم .ولذا
أتخذ أخوة صبح قرار، وهو أن تعيش أختهم في بيت العائلة ، إلى ان يأتيها النصيب او
القدر بحل ما .ومرت الأيام والأشهر والسنة الأولى على نفس الروتين المتفق عليه ،
بالنسبة لمواعيد زيارة ابنائها لها .أما صبح كانت تمر بها الأشهر مسرعة ، فما أن
يخلو البيت عليها حتى تشعر بوحشة المكان، وتثور عليها ذكرياتها ،مع أمها وابيها
واخوانها الاولاد .فلا يكون لها سبيل لتفريغ هذا الكبت إلا النحيب والبكاء .أتخذت من
غرفتها في بيت أهلها مرقدا لها كما كانت قبل الزواج ،لم تكن تريد أن تستعمل غرفة
والديها، فلهما ذكرى جميلة عندها. وذات صباح أمسكت صبح، ما بين يديها تلك القطعة
الزجاجية والتي كانت تسمى مرآة ذات يوم تفقدت بشرتها جمالها شحوبها الم تركه سني
ن الأسر في بيت عمها كعادتها كل يوم .ومازلت على نرجيستها، ومعتدة وواثقة من نفسها ،
فتحدثت للمرآة
قائلة : لساتني أنا ،مثل ما كنت ومفيش وحده احلى مني بالعيله ،إلا شوية هالنصاحه وهاي
انا بعرف كيف اخلص حالي منها
وعندما قالت هذه الجملة الاخيرة كان التصميم باديا وواضحا، أنها لابد أن تعود لرشاقتها ،
فلقد ولت أيام أسرها عند عمها، كان حديثها هذا بعد ثلاثة أشهر من طلاقها ونيلها لحريتها.
كانت تصميمها هنا ،على ان تعود إلى صبح التي تعرفها ،لم يكن لها أي رغبات أنثوية
أو نسائية .فلقد أكتفت من الدنيا بأطفالها ،رغم أنها لم تصل بعد الى سن السابعة والثلاثين .
وبدأت بجدية بعمل نظام غذائي مع قليل من الرياضة، حتى تكسب جسمها الرشاقة التي
كانت مضرب مثل في عائلتها .وتمضي بعائلتها الايام بين شد وجذب ،بين اهمال واهتمام ،
بين فرحها لحضور ولديها للمبيت معها وبين وجود ابنتها الرقيقة سندس معها، لقد كانت
تحبها جدا وتشفق عليها وعلى مصيرها وهي عند جدتها ،
كانت تكرر لها دائما :فيشي بأيدي أيشي يمه حتى اعمله عشانك .
يتبع بالجزء الاخير
|